ومنها أنه لم يذكر قط فى سيرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا سيرة أحد من أصحابه مثل هذه الوثيقة.
ومنها أن هذه الوثيقة لم يذكرها قط أحد من علماء الحديث، لا فى الصحاح ولا فى السنن ولا غيرها، بل لم تذكر حتى فى الأخبار الموضوعة، فمن أين جاؤا بها إلا أن يكون ذلك من افترائهم البهات، كما لم يذكرها أحد من أهل الفقه والإفتاء، فهى كلام دخيل على الإسلام والمسلمين وهو افتراء من اليهود، فى عهد الحكام الغاشمين الجاهلين، ولم يذكروه إلى القرن الخامس حيث العلم الإسلامى يدون ويجمع، ويقول فى ذلك ابن تيمية رضى الله تبارك وتعالى عنه «ما أظهروه فى زمن السلف لعلمهم أنهم إن زوروا مثل ذلك ظهر بطلانه، فلما كان بعض الدول فى وقت فتنة وخفاء بعض السنة زوروا ذلك وأظهروه وساعدهم على ذلك طمع بعض الخائنين لله وللرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، ولم يستمر لهم ذلك حتى كشف الله تعالى أمرهم.
وإنه بذلك يتبين أن اليهود ادعوا أن أهل خيبر لهم عقد جزية ليتخذوا منه سبيلا ليقيموا فى أرض خيبر بالحجاز، ولكن الله كشف أمرهم، وخيب رجاءهم.
ومهما يكن الأمر فإنه لم يكن من اليهود أهل عهد بجزية إلا أهل تيماء فى رواية الواقدى. والله تعالى أعلم، وقد تبين كذبهم من قولهم، وقد أعلنوا هذه الوثيقة المكذوبة بعد ثلثمائة من الهجرة، ثم زوروا مثلها سنة سبعمائة.
[الجزية التى كان يأخذها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:]
٥٥٦- نذكر بالإجمال الجزية التى كان يأمر بها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ويقول الواقدى أنه أخذها من أهل تيماء بعقدها وشروطه.
لقد قالوا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يعين من تؤخذ منهم، وإن عين مقاديرها من مختلف الأجناس، وذكر بعض شروط عقدها والتزاماتها على ولى أمر المؤمنين والتزاماتها عليهم.
ولم يظهر لدى أهل السيرة والمغازى والآثار مقدارها إلا فى نصارى نجران الذين عقد معهم فى مرجعه من تبوك، وكان الاتفاق كما سنبين بالتفصيل من بعد، عندما نتكلم فى سياقنا على وفود نجران وغيرهم.