٤٤١- هذا يوم آخر بعد يوم الرجيع لاحق به، ويتجلى فيه الغدر، كما يتجلى فيه العمل من القبائل لحساب قريش، ويذهب في هذا اليوم نتيجة الغدر نحو أربعين من المؤمنين لا ستة ولا عشرة.
وإن هذا الغدر كان يبيت في مكة المكرمة، ويدبر أمره في قريش، وقبل يوم بئر معونة نذكر ما نواه أبو سفيان من غدر بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم ومحاربته له.
وهذا الخبر هو كما قال الواقدى: كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة المكرمة، ما أحد يغتال محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم، فإنه يمشى في الأسواق، فيدرك ثأرنا، ومؤدى هذا أنهم إلى الآن لم يدركوا ثأرهم، وأنى يدر كونه؟ فأتاه رجل، وقال له: إن أنت وفيتنى خرجت له حتى أغتاله، فإنى هادى الطريق خريت، معى خنجر مثل خافية النسر، قال أبو سفيان: أنت صاحبنا وتفقه، وقال له: اطو أمرك، فإنى لا آمن أن يسمع أحد، فينميه إلى محمد، لا يعلمه أحد.
سار الرجل خمس ليال حتى وصل إلى المدينة فسأل عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فوجده في جماعة من أصحابه يحدث في مسجده، فلما رآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أدرك بفراسة المؤمن وبإعلام الله أن هذا الرجل يريد غدرا، قال الرجل: أيكم ابن عبد المطلب. فقال الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب.
ذهب الرجل ينفذ ما دبر مع أبى سفيان ينحنى على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كأنه يساره، فتنبه بعض الصحابة وجذبه أسيد بن حضير وقال له: تنح عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وجذب داخل إزاره، فإذا الخنجر، فقال: يا رسول الله هذا غادر، فأسقط في يد الأعرابى، وقال دمى، دمى يا محمد، وأخذ أسيد بن حضير بلببه.
قال له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: أصدقنى ما أنت وما أقدمك، فإن صدقتنى نفعك الصدق وإن كذبتنى فقد اطلعت على ما هممت به.
قال الأعرابي: فأنا آمن؟ قال عليه الصلاة والسلام: وأنت آمن، فأخبره بخبر أبى سفيان، فوضعه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عند أسيد بن حضير فلما جاء الغد قال له: قد أمنتك، فاذهب حيث شئت، أو خير لك من هذا؟ قال: وما هو؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنى رسول الله، فشهد الرجل الشهادة.