قدموه ليقتلوه صلبا، فاستأذنهم حتي يصلي ركعتين فصلاهما، ثم أقبل عليهم مستبشرا يقول للجلادين:
أما والله لولا أن تظنوا أنى إنما طولت جزعا من الموت، لاستكثرت من الصلاة.
ولقد علم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بصلاته عند القتل مستشهدا فأقره، فكانت سنة نبوية بإقراره عليه الصلاة والسلام.
رفعوه من بعد صلاته إلى خشبة الصلب، فلما أوثقوه قال: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما يصنع بنا، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا.
وهكذا مات خبيب بطلا في ميدان الجهاد النفسى، كما مات أصحابه عاصم ومن معه في جهاد مستشهدين، ولم يلقوا سيوفهم.
وهكذا قتلوا خبيبا صلبا وهو يقول صابرا:
ولست أبالى حين أقتل مسلما ... على أى شق كان في الله مصرعى
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
وفي اليوم الذى صلب فيه خبيب صلب فيه أيضا زيد بن الدثنة. وكان صابرا راضيا مطمئنا، فى سعة من الإيمان، قال له عند صلبه زعيم الشرك أبو سفيان بن حرب: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه، وإنك في أهلك، قال: والله ما أحب أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم في مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإنى جالس في أهلى.
وعندئذ قال زعيم الطاغوت: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) محمدا، ثم قتل الشهيد الصابر.
وإن يوم الرجيع يدل على أمور ثلاثة:
أولها: ما كان من تحريض قريش من غدر وخيانة واستخدام أخس أنواع الخيانة.
وثانيها: أن قريشا لم يشتفوا لثاراتهم من بدر، وأنهم أنهوا الحرب في أحد غير مختارين، والا لبقوا حتى يأخذوا بكل ثاراتهم، وأنه قد جدت لهم في أحد ثارات أخرى.
وثالثها: أن العرب بسبب الدعاية التى قامت بها قريش من إشاعة أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم قد هزم قد وجد فيهم من يعمل لحسابها، ويرجو رضاها، ولم يكن شىء من ذلك بين بدر وأحد، ولكنه كان بعد أحد لإشاعة الهزيمة الكاذبة. والله أعلم.