للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى الحق أن توقف على كان فى هذه المسألة سليما لأن هذه الحلل كانت من جزية موضوعة، فما لأحد أن يوزعها، قبل إعلان الرسول صلّى الله عليه وسلم بها. وتلقى أمره فى توزيعها.

كانت الشكوى من على كرم الله وجهه قد شاعت فى الحجيج وكثر القول فيه وكل من تكلم كان مغرضا لا يروم الحق، ولعلى الحق فى كل ما فعل، ولكن البغض له خصوصا من له فى الجيوش الإسلامية مكان من قبل ومن بعد.

ولقد قال فى ذلك الحافظ ابن كثير فى تاريخه: «والمقصود أن عليا كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة، واسترجاعه منهم الحلل التى أطلقها لهم نائبه، وعلى معذور فيما فعل لكن اشتهر الكلام فيه فى الحجيج، ولما رجع النبى صلى الله عليه وسلم من حجته وتفرغ من مناسكه، ورجع إلى المدينة المنورة فمر بغدير خم، قام فى الناس خطيبا فبرأ ساحة على، ورفع من قدره، ونبه على فضله، ليزيل ما فى نفوس كثيرين» .

[وننبه هنا إلى أمور ثلاثة يوجب الحق التنبيه إليها:]

[أولها:]

أن كلمة ابن كثير بالنسبة لعلى كرم الله وجهه «إنه معذور» لا نرى أنها فى موضعها، والأولى أن يقول أنه كان فيها محقا، ففرق كبير بين المعذور والمحق، فإن المعذور مخطيء له عذر، وأما المحق فإنه غير مخطيء، وما كان على فى أمر الحلل والرواحل إلا محقا منفذا ولو كان فى شدة.

[ثانيها:]

أن الكلام الذى قيل فى غدير خم انتهى بقول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

«اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» .

[ثالثها:]

أن هذا كله من بغض علىّ كبغض أبى بريدة الذى ذكرناه وبغض الرجل الذى كان يحبه أبو بريدة، وقد نالته موجدة من إرسال على كما أشرنا. وقد عاد قبل عودة على كرم الله وجهه فعمل على إشاعة القيل والقال على إمام الهدى، ولقد كانت عبارة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم توميء إلى أن الذين أشاعوا ذلك معادون لعلى مبغضون له بغض أبى بريدة أولا، ولكن الله تعالى هداه بهداية النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

وعلى رضى الله تعالى عليه جدير بأن ينفس الناس عليه فضله، فقد مكث الرجل ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام، فلم يستجيبوا، وبمجرد لقاء على رضى الله عنه، قد استجابوا لداعى الحق، وعلى فوق ذلك العالم الجليل والشجاع المحارب، وبطل بدر وأحد وهو الذى حمل اللواء. وعلا، ورأى المشركون أنه لا سبيل لأن يبقوا أمامه فعادوا كأنهم المهزومون وهم الذين أصابوا جراحات فى المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>