«إن المشركين اشتدوا على المسلمين أشد ما كانوا، حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، وجمعت قريش فى مكرها أن يقتلوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم علانية. فلما رأى أبو طالب جمع بنى المطلب وهاشم، وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم، وأن يمنعوه ممن أرادوا قتله.. فاجتمع على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حمية، ومنهم من فعله إيمانا ويقينا. فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأجمعوا على ذلك اجتمع المشركون من قريش، فأجمعوا ألا يجالسوهم، ولا يبايعوهم، ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.. وكتبوا فى مكرهم صحيفة، وعهودا ومواثيق، ألا يقبلوا من بنى هاشم صلحا أبدا، ولا يأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل» .
«لبث بنو هاشم فى شعبهم ثلاث سنين واشتد عليهم البلاء والجهد، وقطعوا عنهم الأسواق، فلا يتركوا لهم طعاما يقدم مكة المكرمة، ولا بيعا إلا بادروهم إليه فاشتروه، يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم» .
«وكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم- أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فاضطجع على فراشه، حتى يرى ذلك من أراد به مكرا واغتيالا له» .
«وكان أحيانا يأمر أحد بنيه أو إخوته أو بنى عمه، فاضجعوا على فراش رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأن يأتى بعض فرشهم فينام عليه» .
وهكذا كان العم العظيم يحتاط للغيلة أن يصيبوا بها محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم فينيمه فى منامته، متعرضا للغيلة بدله وهو الشيخ الفانى. ويغير مكان الرسول من وقت لاخر، فيجعل مكانه بعض بنيه هو أو إخوته أو بنى عمه من بنى المطلب أو غيره، وبدون ذلك كان يفى للعصبية، ولكنها الشفقة والمحبة والرأفة التى ألقاها الله تعالى فى قلب أبى طالب العظيم.
اشتد البلاء على المؤمنين، وبنى هاشم وبنى المطلب، حتى كان الأطفال يتضاغون من شدة الجوع، وقد كانت المقاطعة كما روى ابن إسحاق كاملة، فقد كانت تشمل المناكحة، لا ينكحونهم، ولا ينكحون منهم.
[الأرضة تمنع اسم الله تعالى من مواثيقهم:]
٢٧٠- مكث بنو هاشم وبنو المطلب وعلى رأسهم أبو طالب، والنبى عليه الصلاة والسلام معهم فى هذه القطيعة ثلاث سنين دأبا، وهم يرون صبيانهم يعضهم الجوع، ولكن الكبار لا يذهب بهم