الفزع، فيستجيروا لأنفسهم أو أن يسلموا محمدا صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، فألقى الله تعالى بالصبر فى قلب المؤمن والكافر معا ولقد أظهر الله تعالى آياته فى أمرين:
أولهما: أن الأرضة جاءت وأكلت كل كلمة فيها اسم الله تعالى أو صفاته التى عاهدوا الله تعالى عليه أن تكون القطيعة دائمة، وكأن الله تعالى ألهم الأرضة أن تعلمهم أن اسم الله تعالى لا يصح أن يكون فى وثيقة ظلم وفسق عن أمر ربهم، وقد أطلع الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم الصادق المصدق على ما فعلته الأرضة بإلهام من رب العالمين، تعالت قدرته، وعظمت منته.
الأمر الثانى: أنه تشققت الرحمة من قلوب هؤلاء الذين تعاهدوا على الظلم والعدوان، كما تنفجر الأنهار من بعض الأحجار، فإنه على رأس السنين الثلاث التى مرت ببنى هاشم تلاوم رجال من بطون قريش، من بنى عبد مناف، وقصى، ورجال من قريش، قد ولدوا من نساء من بنى هاشم، رأوا أنهم قد قطعوا الرحم، واستخفوا بالحق، واجتمع أمرهم على نقض الصحيفة، والبراءة مما جاء فيها، وقيل أنها كانت معلقة بسقف البيت.
بينا هذا التفكير قد سيطر على الملأ من قريش ذهب أبو طالب إليهم يخبرهم بأن الأرضة أخلت من صحيفتهم اسم الله، وأبقت فيها الظلم والفسق الذى دونوه، وتعاهدوا عليه.
انطلق الرجل العظيم أبو طالب، ومعه العصبة من بنى عبد المطلب، فقال فى جمع حافل من قريش:
قد حدثت أمور بينكم نذكرها لكم، فأتوا بصحيفتكم التى تعاهدتم عليها فعلّه أن يكون بيننا وبينكم صلح.
فطمعوا أن يسلم بنو هاشم محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم، فأتوا بالصحيفة معجبين بها، لا يشكون أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سيدفع إليهم، فوضعوها بين أيديهم، وقال قائلهم:
قد ان لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم، فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد، جعلتموه خطرا لهلكة قومكم.
فقال أبو طالب: إنما أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فيه نصف، إن ابن أخى أخبرنى، ولم يكذبنى أن الله بريء من هذه الصحيفة، ومحا كل اسم هو له فيها، وترك غدركم، وقضيتكم إيانا، وتظاهركم علينا بالظلم، فإن كان الحديث الذى قال ابن أخى كما قال، فأفيقوا، فو الله لا نسلمه أبدا، حتى يموت من عندنا اخرنا، وإن كان الذى قاله باطلا رفعناه إليكم، فقتلتموه أو استحييتم.
قالوا: رضينا بالذى تقول. وكأنهم فهموا أن النتيجة أن يسلمهم لوثوقهم من صحيفتهم.