٦٣٩- استوعبت الدعوة الإسلامية البلاد العربية، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، ومنهم من أسلم، ولما يدخل الإيمان فى قلبه، ومنهم من آمن وأخلص للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم وحمل عبء الدعوة وجاهد فى سبيلها، وليس من العرب من لم يعلم بالإسلام، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، والحق الذى يدعو إليه، من غير مواناة ولا تقصير. ولا هوادة.
ولا بد أن يتجاوز بعد ذلك دائرة البلاد العربية إلى ما يصاقبها، من البلاد المجاورة خصوصا البلاد التى فيها العنصر العربى، فإنها بتكوينها أقرب إلى الاستجابة إلى ما يعم بلاد العرب التى هى مثابتهم، وفيها الحرم الآمن الذى جعله الله آمنا، والناس يتخطفون من حوله.
وأخص بذلك بلاد الشام ففيها الغساسنة من العرب، وكان فيها اعتداء على من أسلم وكانت غزوة مؤتة، بسبب قتل رسول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم والى بصري.
وانتهت مؤتة، ولم تكن بنصر حاسم، وإن لم تكن بهزيمة، فإن جيش الإسلام لم يرجع مهزوما وإنما تراجع منتظما بمهارة خالد بن الوليد، وكانت هذه أول قيادة ناجحة له فى الإسلام.
ولم تكن النتيجة على المسلمين، فلم يقتل منهم أمام مائتى ألف إلا نحو اثنا عشر رجلا وقد قتل من الروم مقتلة عظيمة، حتى إنه فى هذه المعركة يطوى فى يد خالد تسعة سيوف، وقتل الأمراء لم يؤثر بالهزيمة فى الجيش الأقل فى عدد.
وإن شئت أن تقول إن غزوة تبوك امتداد لغزوة مؤتة فقل، فهى سير فى الخطة التى ابتدأت بها، ولم تنل مأربها من قتل قتلة الرسول الذى بعثه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
ومع أنها امتداد لغزوة مؤتة فى سببها وسيرها، والمقصد، فقد كان لها وحدها سبب قائم بذاته، ذلك أنه باللقاء بين المسلمين وغيرهم من الأنصار ومن معهم من العرب، أوجد الالتحام الحربى بين العرب الذين عاونوا الرومان والعرب المجاهدين مع اتحاد الجنس، من يميل إلى الإسلام لأنه الدين الجديد فى قومهم، وقد صار رمز القوة عندهم، وخير لهم أن يعتزوا بأنفسهم عن أن يعتزوا بالرومان، ففرق بين من يقول أنت أخى، ومن يقول أنت عبدى أو تابعى، ولذلك كان إقبال الخاضعين للغزو الرومانى شديدا لأنه الدين الجديد لإخوانهم، ولاضطراب الدولة الرومانية، واضطراب الأحوال فيها.
ولقد أسلم من العرب الذين استعان بهم الرومان عدد كبير.