للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النبى في المدينة]

٤٥٦- كانت غزوة بدر الآخرة في شعبان من السنة الرابعة، ثم كانت من بعد غزوة دومة الجندل في ربيع الأوّل من السنة الخامسة؛ فمكث الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم من غير غزو نحو ستة أشهر أو تزيد، فماذا كان يعمل؟

ونقول في ذلك: كان يقوم بحق التبليغ للرسالة، فما بعث محمد صلى الله تعالى عليه وسلم للقتال، ولكن بعث لتبليغ رسالة ربه، وما كان القتال إلا دفعا للذين يقفون في سبيل الدعوة، أو يكيدون للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وللمؤمنين، أو يريدون أن يفتنوا الناس عن الإسلام، فالقتال كان لحماية الدعوة، وهى الأصل، وبيان أحكام الله تعالى للعباد، هى تبليغ الرسالة والله تعالى يقول في كتابه العزيز:

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة- ٦٧) .

كانت إقامة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في المدينة في الفترات التى تكون بين الغزوات لبيان حقائق الرسالة المحمدية، والأحكام الشرعية، وتعليم المؤمنين ما يدعو إليه ربهم، وتحفيظهم ما يتيسر لهم من حفظ القرآن بحيث يحفظه مجموعهم، ويحفظ بعضهم كله كزيد بن ثابت. فكان عمله عليه السلام في فترات السلم تبليغ ما أمره الله تعالى به، وبيان الطريق لتنفيذه وتطبيقه، وتعليم الناس ما لا يمكن معرفته إلا بالتدريب عليه.

لقد رأينا بعد غزوة بنى النضير نزول القرآن بتحريم الخمر، فالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، يتولى تنفيذ ذلك التحريم، ببيان العقوبات الزاجرة المانعة من الشرب، فقد جيء له بشارب، فضربه بالنعال أربعين بنعلين، فكانت ثمانين، فاعتبر كثيرون من الصحابة حد الخمر ثمانين، وشدد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في المنع، فقال في شارب الخمر: إذا شرب، فاضربوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه.

وجاء قوم يقولون إنا بأرض برد نستدفيء بالخمر، فنهى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عن شربها، فقالوا إنهم لا يمتنعون، قال: فقاتلوهم. وبذلك بين لهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أحكام الشرع، ودربهم على تنفيذ ما أمر الله به، وما نهاهم عنه، ويقيم الحدود التى شرعها الله تعالى، ويحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه بما أنزل الله تعالى.

وقد بين لهم صلى الله تعالى عليه وسلم أحكام الزواج، وشرح لهم المحرمات، وعلمهم الفرق بين ما هو سفاح، وما هو نكاح، وما للرجل على امرأته، وما عليه من حقوق، وبين أحكام الملكية

<<  <  ج: ص:  >  >>