للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاءكم عكرمة بن أبى جهل مسلما فلا تسبوا أباه لأن ذلك يؤذى الحي، ولا يصيب الميت، وهكذا يكون كرم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم العطوف الألوف.

ويروى أن الإيمان دخل قلبه قبل أن تجئ إليه امرأته، وذلك أنه وهو فى السفينة عصفت بها عاصفة وقال بعض أهل السفينة لبعضهم. إن آلهتكم لا تغنى عنكم شيئا هنا، فأثر ذلك فى نفس عكرمة وعقله، ورب لفتة تحول القلب من الكفر إلى الإيمان، وقال: «والله لم ينج فى البحر إلا الإخلاص وإنه لا ينجى فى البر غيره، اللهم إن لك على عهدا إن أنت عافيتنى مما أنا فيه آتى محمدا حتى أضع يدى فى يده فلأجدنه عفوا كريما» .

ثم جاءته امرأته، وقد طاب نفسا بالإسلام.

وأما هبار بن الأسود فهو الذى عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عندما هاجرت ومكن لها زوجها من الهجرة، فنخس هبار هذا راحلتها حتى سقطت على صخرة، وكانت حاملا، فسقط جنينها.

[الأنصار يتوهمون أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعود إلى مكة المكرمة]

٦٠٢- كانت إقامة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رابطة بالود بينه وبين قوم كانوا له أعداء آذوه حتى خرج من عندهم يائسا من أن تتحقق الدعوة إلى الرسالة الإلهية فيهم، وأنه لا سبيل إلا أن يهاجر، ثم كانت الحروب المفرقة.

ولما فتح مكة المكرمة كان لا بد أن يزيل الإحن من النفوس فلان ورفق، وعفا وصفح الصفح الجميل، كما أمره ربه إذ قال له: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ فظن الأنصار الذين آووا ونصروا أن مهمتهم قد انتهت.

لقد قالوا فتح الله مكة المكرمة على يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهى بلده، وموطنه، جال ذلك فى نفوسهم وتحدثوا به فيما بينهم، ثم قالوا أترون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا فتح الله تعالى عليه أرضه وبلده أن يقيم بها.

وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهم يحدثون أنفسهم بذلك يدعو على الصفا والمروة رافعا يده، فلما فرغ من دعائه اتجه إلى أنصاره فقال لهم: ماذا قلتم، قالوا: لا شئ يا رسول الله، فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: معاذ الله، المحيا محياكم، والممات مماتكم، أى إنه يعيش فيهم حتى يموت بينهم، لقد نصره الله تعالى بهم، وخذله غيرهم فهو منهم، وهو كما قال فى موضع سيجئ: إنه لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا، وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>