للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كانوا ينتهون من المجاوبة إلى الإصغاء إلى دعوة الحق واتباعها من غير تلكؤ، وإن هذا يدل على صفاء نفوسهم، وحيث خلت النفوس من المنازعات بالشرف، والمنافسة فى الفخر، فإنها تتجه إلى الحق بقلب سليم، فتسارع إلى الدخول فيه، وقد أحسوا أن فى الاتباع منجاة لهم من التفرق والنزاع الذى أداهم إلى الحرب، وعضتهم بنابها، وفوق ذلك كانت وصلتهم إرهاصات بذكر النبوة المحمدية كان يستفتح بها اليهود عليهم.

[العقبة الثانية]

٣١٤- جاءت العقبة الأولى بعد اللقاء الأول بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم والخزرج وبهم انتقل خبر الإسلام إلى يثرب التى أعدها الله تعالى لتكون المدينة الفاضلة، مدينة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم كان فى العقبة الأولى التعريف بمباديء الإسلام والبيعة بها، على أن تكون هذه البيعة الميثاق الذى أخذه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكانت البيعة الثانية فى العقبة بعد أن فشا الإسلام، وكانت تمهيدا للانتقال إلى المدينة والهجرة، ويظهر أنها كانت فى اخر موسم حضره النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالمدينة المنورة، والعقبة الأولى كانت فى الموسم الذى قبله، ولذلك كانت البيعة فيها بالإيواء والنصرة، كما يتبين ذلك.

ويظهر أن خبر اتصال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان يتسرب إلى قريش، ويحاولون أن يأخذوا حذرهم، إذ رأوا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان يعرض نفسه على القبائل، وهم يتوجسون خيفة من أن تخرج الدعوة إلى التوحيد من بين ظهرانيهم إلى العرب، وإنهم يتوقعون منهم الاستجابة، ليستعين بهم، ويتخذ منهم قوة عليهم.

وقد رأينا كيف يتعقبه أبو جهل وأبو لهب، ويتناوبان.

لذلك عندما جاء مصعب من يثرب هو وأسعد بن زرارة، ومعهم جماعات من الأوس والخزرج، قد أسلموا، وقد كان معهم من سكان يثرب من كانوا لا يزالون على وثنيتهم، ولم يذوقوا بعد بشاشة الإسلام، ومنهم من تتجافي قلوبهم دونه مثل عبد الله بن أبى بن سلول الذى أكله بغض الإسلام والمسلمين، حتى صار رأس النفاق فى المدينة المنورة من بعد، وكان يضع الفتنة ويبنيها، ويثيرها حيثما وجد إلى ذلك سبيلا.

ولقد أخذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حذره من ناحيتين، من ناحية قريش الذين احتسبوا بأن أمرا يدبر من ورائهم، ولقد كان يرى عيونهم تبث من حوله، حتى أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>