للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك مثلا قول سطيح الكاهن: إذا كثرت التلاوة، وغاضت بحيرة ساوة، وجاء صاحب الهراوة.... مع غيره.

وقال ابن كثير إنه يعنى النبى عليه الصلاة والسلام، ونرى أولا- أن النبى ما جاء بالهراوة بل جاء برد اعتداء الباطل على الحق بالسيف لا بالهراوة، وثانيا- أنه على فرض أن المراد النبى عليه الصلاة والسلام فذلك مما شاع بين العرب من أنه سيكون نبى منتظر، وأن أهل الكتاب يذكرونه بينهم خاصة، ويعلنونه عند الاقتضاء للعامة، سواء فى ذلك اليهود والنصارى وإن كان إعلان النصر أوضح وأبين، واليهود يعلنونه عند الشديدة تنزل بهم فى حروبهم مع الوثنيين، يعلنون مجيء النبى عليه الصلاة والسلام كما جاء فى كتبهم تثبيتا لأنفسهم وتخذيلا لخصومهم وتعلقا بالرجاء، وتشفيا من الأعداء بالمستقبل، فكان السبق لأعدائهم، والتخلف لهم، فكان به المال لغيرهم والحال عليهم، وهم الأخسرون دائما إن شاء الله.

[هل كان محمد عليه الصلاة والسلام يسمع اخبار الأحبار والرهبان والكهان]

١٨٩- إن محمدا عليه الصلاة والسلام كان يعيش فى مكة المكرمة وهى مدينة أمية لا تقرأ كتابا، ولا تتدارس علما، وكان كأهلها، لا يجلس إلى درس ولا إلى معلم، وإذا كان بعض أهله يعلم القراءة والكتابة، فما كان محمد صلي الله عليه وسلم يعلمها، وما يمتاز به على أهل مكة المكرمة هو خلقه وقوة إدراكه وابتعاده عن عبادة الأوثان واستنكارها، وكراهية الأوثان والحلف بها، من غير أن يكاره قومه، ويعلن بغضهم، بل ما كان يبغض غير قومه، بل كان الودود الألوف، وإن كان لا يسايرهم فيما يفعلون، بل كان ينكر ويستنكر، ولا يلاحى ولا يغاضب، ولا ينافر.

وإن أقصى ما كان يريد معرفته من الديانات هو ديانة إبراهيم، لأن اثاره قائمة بينة؛ وبعض الديانة كان يتبع مع انحراف فى بعضها، وهو الحج، وكانوا يتفاخرون بانتسابهم إلى إبراهيم، وهو يعلم أنه جدهم ونبى مرسل، ويريد محمد صلى الله عليه وسلم مع تركه الأوثان أن يعرف ما كان يأمر به إبراهيم عن ربه، وقد علم هو أنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذى ليس بوالد، ولا ولد.

أما غيره من الأنبياء كموسى وعيسى وداود وسليمان، وخصوصا ما كان من دقائق علمهم كالنص على رسول يجيء من بعد موسى وعيسى، وكونه من جبال فاران، أى جبال مكة المكرمة، كما تعبر كتبهم، أو تشير إليه من غير إيضاح واضح، وخصوصا عندما عراها التحريف ونسوا حظا مما ذكروا به.

<<  <  ج: ص:  >  >>