للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ذل الغدر]

٥٩٠- غدرت قريش فى عهدها، وما كان لها ذلك، وجاء أبو سفيان كبيرها يستغفر للخيانة التى لم يمنعها وأراد عجبا، أن يمنع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أن يحمى من دخلوا فى عهده، وأن يتركهم من غير أن يحميهم عهدهم، وتشفع بابنته، فما شفعت وتشفع بأبى بكر فامتنع امتناعا قاطعا، وإن كان هادئا كطبعه رضى الله تبارك وتعالى عنه إلا فى الشديدة، وتشفع بعمر فرده ردا عنيفا، وتشفع متوسلا بالرحم لعلى فما شفع هو ولا الزهراء فاطمة، وقالت كلمة حاسمة:

لا يجار على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

وكان عجبا أن يجير على قريش كلها، ليكون لها أمان من الغزو، لأنه شعر بالجريمة وقعت منها كلها، وإذا كانت حرب فعليها كلها.

ونقول إنه قد جاء لتوثيق العهد وزيادة المدة، وإن ذلك يتضمن بلا ريب إلغاء العهد السابق وما اشتمل عليه، وربما توهم أن ذلك ربما يسقط الغدر الأول، ولعله ظن أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يعلم غدرة قريش التى تعد فسخا للعقد، فلما رأى أن الخزاعى سبقه وأخبر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن بد من أن يطلب الأمان لقريش. ولكن لم يجب.

وروى موسى بن عقبة أن أبا سفيان دخل على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قبل أن يدخل على أبى بكر وعمر وعلى. وقال له: «يا محمد شدد العقد وزدنا فى المدة، فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: ولذلك قدمت، هل من حدث قبلكم؟ قال معاذ الله، نحن على عهدنا، لا نغير ولا نبدل» .

ثم ذهب على الصحابة أبى بكر، ثم عمر، ثم عثمان، إلى أن وصل إلى على، فلان معه المجاهد الأول بعض اللين.

وقد صرحت هذه الرواية بأنه ذهب إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ليأخذ منه إقرارا على ما قال فى المسجد، فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن قال: أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة- ردا على قوله ما أظن أن تخفرنى- أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة.

وقد عاد إلى قومه فاستخفوه إذ قص عليهم خبر الرحلة، وقالوا له: رضيت بغير رضا، وجئتنا بما لا يغنى عنا ولا عنك شيئا، وإنما لعب بك على، لعمرو الله ما جوارك بجائر، وإن إخفارك عليهم لهين. وحدث امرأته بحديث الرحلة، فقالت له: «قبحك الله من وافد قوم فما جئت بخير» .

<<  <  ج: ص:  >  >>