والأمر الثالث الذى ينهى الحرب هو الانتصار للمؤمنين، والاستسلام من الكافرين، وهو النوع الثالث من الصلح الذى ذكرناه آنفا.
[معاملة المهزومين]
٣٥٩- تبدو السماحة المحمدية، والرفق على أهله في الحرب النبوية عند هزيمة العدو واستسلامه، ويلاحظ أنه في حرب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، لم يهزم المؤمنون هزيمة فيها استسلام قط، إذ أنه لم ينتصر خصوم الإسلام انتصارا ساحقا قط في عصر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، والراشدين من بعده.
وإنه لما هزم المسلمون في غزوة أحد لم يستسلموا، لأن الاستسلام فيه ذلة، والإسلام دين العزة والكرامة، فلا يمكن أن يستسلم المؤمنون بقيادة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، بل إنه عليه الصلاة والسلام جمع متفرق الجيش، وأراد أن يتبع به المشركين، فلما علموا هم بذلك مضوا في طريقهم قافلين، ورضوا من الغنيمة بالإياب، إذ علموا أنه مؤيد من عند الله، وأنه يجاهد في سبيله.
وإذا كانت الحرب تنتهى باستسلام العدو فمحمد عليه الصلاة والسلام في حرب النبوة لا يقول مقالة الغاشمين، ويل للمغلوب، بل تكون العدالة، وتكون السماحة والرفق المحمدى.
كانت آخر حرب للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم مع قريش هى التى انتهت بفتح مكة المكرمة للإسلام والمسلمين، وهنا يلتقى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مع من آذوه، وأعنتوا أصحابه، وساموهم سوء العذاب، ومنهم من مات من شدة التعذيب، وقد هموا بقتله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكنهم كانوا يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
التقى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بهم، وبكبير حرب الشرك أبى سفيان، فنشر عليه الصلاة والسلام، وهو الغالب والمسيطر، راية الأمان عليهم، فنادى مناديه عليه الصلاة والسلام:«من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن» .
وهكذا كان انتصار النبى عليه الصلاة والسلام الرفيق الرؤف الرحيم نشرا للأمان في ربوع مكة المكرمة حول بيت الله سبحانه وتعالى الحرام. ولما التقى بالملأ من قريش، قال لهم:«ما تظنون أنى فاعل بكم؟! قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال لهم: أقول ما قاله أخى يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطلقاء» . أى حرب تنتهى بهذه السماحة وذلك