ولما جاءت رسلهم إليه صلى الله تعالى عليه وسلم قال لهم:«إنا لم نجيء لقتال، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب، وأخذت بهم. فإن شاؤا ما رد لهم، وأخلوا بينى وبينهم» .
عرض عليه الصلاة والسلام الموادعة، وهو القوى بجيشه، وبنصر الله الذى هو فوق كل شيء، فقبلوا المهادنة بشروط كان جلها كما يرغبون:
أولها- أن يعود ولا يحج في عامه هذا، وأن توضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، وأن يعتمر الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه في العام القابل.
وثانيها- أن من قدم المدينة المنورة من قريش مجتازا إلى الشام فهو آمن على دمه وماله.
وثالثها- أن من أتى محمدا عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة مسلما من غير إذن وليه رده عليهم.
ورابعها- أن من جاء ممن مع محمد عليه الصلاة والسلام مرتدا عن دينه لم يردوه إليه.
هذه كلها شروط كتبت برغبة قريش.
وهناك شرط واحد لمصلحة الدعوة الإسلامية، وهى غاية الغايات، وذلك الشرط أن من قدم مكة المكرمة من أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام حاجا أو يبتغى الرزق فهو آمن على دمه وماله.
وهناك شرط أساسى لمصلحة الطرفين، وهو أن من أراد أن يدخل في عقد مع محمد عليه الصلاة والسلام دخل، ومن أراد أن يدخل في عقد قريش دخل.
وربما تكلمنا عن تفصيل لهذا الكلام عليها في موضعها.
الأمر الثانى الذى تنتهى به الحرب- هو الصلح بإنهاء القتال، لا بالموادعة المجردة فيه، والصلح حينئذ يكون على أساس العدالة والوفاء بكل ما يلتزم كلا الطرفين فيه من حقوق، ويكون ذلك عهدا يجب الوفاء فيه بكل الشروط الجائزة شرعا، وأن العهد الذى لا يكون فيه الدخول في الإسلام تكون قبل الحرب عند التخيير بين الإسلام أو العهد أو الحرب، فيكون مانعا للحرب من أن تقع، لا أن يكون منهيا لها بعد وقوعها.
أما الصلح المنهى للحرب بعد وقوعها، فيكون بإعلان الإسلام في ربوع الديار التى كان النصر فيها للمؤمنين.