للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأن أبا سفيان بهذا السؤال يشير إلى أنه إن كان تابعا فهو حرب مع النبى عليه الصلاة والسلام ينال ما نال أتباع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وإن كان مجيرا فإنه تحفظ ذمته، لأنه منهم، ولا يفرضون فيه العداوة أو الخصومة.

ومن هذا تعرف رحمة الله تعالى فى أن أبا طالب لم يعلن إسلامه مع حمايته للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، إذ أنه لو أعلن الإسلام لحاربوه مع من اذوا من أتباع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الذين لم يرعوا فيهم إلا ولا ذمة.

[انشقاق القمر]

٢٩٤- قلنا إن الأمور التى كانت بعد الدعاء المحمدى كانت استجابة لهذا الدعاء وإبعادا للوحشة عن قلبه الطاهر، فمجيء ملك الجبال كان لإشعاره عليه الصلاة والسلام بالقوة، وقد شكا ضعف قوته، وسماع الجن للقران الكريم وإيمان بعضهم كان لإيناسه عليه الصلاة والسلام بكثرة الأتباع، ثم كان تسهيل الجوار ليدخل مكة المكرمة ويكمل دعوته، فيه إثبات سعة الحيلة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، هداه الله تعالى إليها لكى يذهب بقلة حيلته التى شكاها رسول الله عليه الصلاة والسلام.

وكانت من بعد ذلك الايات الحسية، التى كان منها انشقاق القمر، والإسراء والمعراج. لبيان أن الله تعالى لم يتركه ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى «١» .

وقد ذكرنا أن كتاب السيرة لم يذكروا الأخبار مرتبة بترتيب الوقائع، وقد ذكروا انشقاق القمر بعد الإسراء والمعراج، ونحن قد رجحنا كما رجح ابن كثير أن الإسراء كان بعد وفاة أبى طالب وخديجة أم المؤمنين رضى الله عنهما، إذ أنها توفيت قبل أن تفرض الصلوات الخمس والصلوات لم تفرض خمسا إلا فى المعراج.

وقد ذكر بعد المعراج انشقاق القمر، وإن المناسبة تزكى ذلك الترتيب فإن ذلك تقوية للاستدلال على صحة الرسالة، وإن كان القران الكريم هو المعجزة الكبرى التى تحدى بها النبى صلى الله تعالى عليه سلم، وعده عليه الصلاة والسلام المعجزة.

ولندخل من بعد للموضوع، وهو انشقاق القمر. لقد قال الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ «٢» ، ويقول فى ذلك ابن كثير: «وقد أجمع المسلمون على وقوع ذلك فى زمنه عليه


(١) سورة الضحى: ٣.
(٢) سورة القمر: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>