الصلاة والسلام، وجاءت بذلك الأحاديث المتواترة من طرق متعددة تفيد القطع عند من أحاط بها ونظر فيها، ونحن نذكر من ذلك ما تيسر إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان، ويذكر من بعد ذلك الحافظ الحجة ابن كثير الأخبار الصحاح الواردة فى ذلك.
وقبل أن نختار من هذه الصحاح ما نراه أوضح من غيره دلالة، نقول إن انشقاق القمر ثبت بلفظ الماضى مما يدل على حكاية الواقع، لا ذكر المتوقع، فإن اللفظ القرانى يؤخذ بظاهره ما لم توجد قرينة من حقيقة ثبتت بالإجماع والعلم الضرورى، أو من قضايا العقل المبثوثة التى لا مجال للريب فيها، أما تأويل القران الكريم، وإخراجه عن ظاهره باستبعاد بعض ذوى العقول المأفونة أو المتأثرة بالمألوف بين الناس، وتنكر ما عداه، ولا تعلم أن هناك قوة مغيرة محدثة منشئة هى قدرة الله تعالى وإرادته التى توجب الإيمان بالله تعالى فعالا لما يريد، مختارا فيما يفعل، وأنه واحده خالق كل شيء، خلق الأسباب والمسببات، لا توجب إرادته أسبابا عادية لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ «١» .
وعلى ذلك نقرر أنه وقع فى الماضى فى عصر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، لأن قول الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ عبر عن انشقاق القمر بلفظ الماضى الدال على الوقوع فى زمن مضي، وتخريجها على أن الماضى أريد به المضارع، وأنه سينشق، تخريج للفظ بغير ظاهره الذى دل عليه القران الكريم بظاهره، لابد له من مسوغ يوجب ذلك التخريج، ويكون قرينة دالة على أن اللفظ أريد به غير ظاهره.
٢٩٤- هذا ما يدل عليه ظاهر القران الكريم، وهو فى ذاته حجة دالة على الوقوع لا يحتاج إلى حجة أخرى تؤيده فهو يؤيد غيره، ولا يستمد التأييد من غيره، ولكن السنة تبين لنا كيف وقع لا أصل الوقوع، فنحن نرجع إلى السنة لبيان شكل الوقوع.
لقد ذكر الحافظ ابن كثير أن الوقوع، أو شكل الوقوع يثبت بعدة طرق عن كثيرين من الصحابة، فروى عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وجبير بن مطعم، وحذيفة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهم أجمعين.
روى البخارى ومسلم أن أهل مكة المكرمة سألوا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم اية فانشق القمر، فانشق القمر بمكة مرتين، وفى رواية لمسلم عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة المكرمة سألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يريهم اية فأراهم القمر شقتين، رواه البخارى، وزادت روايته حتى رأوا حراء بينهما.