ولقد اشتهر محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم بالأمانة، حتى صار اسمه «الأمين» ولما حكّموا أول من يدخل البيت فى أمر الحجر الأسود، وكان هو الداخل الأول ارتضوه حكما، وفرحوا به، وقالوا إنه الأمين، وكان فى معاملاته كلها عدلا، لا يغبن، ولا يخدع، وكان ينتصف من نفسه فى كل ما يتعلق به، كان ذلك قبل البعثة.
أهدت إليه أم المؤمنين خديجة قبل البعثة زيد بن حارثة، فكان مولى له، ولما عرفه أهله، وجاؤا إليه يريدون أن يفتدوه بثمنه، أعطاهم الرجل العدل، الحق فى أخذه، ولم يمارهم فى حقهم، بل إنه زاد فى العدل والإحسان، فقال: خذوه من غير ثمن إذا أراد الذهاب معكم، ولكن زيدا رفض أن يترك محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقبل أن يبقى فى قربه مولى، ولم يقبل الذهاب مع أسرته، وهنا يتحرك العدل مرة أخرى فى قلب محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فيتخذه له ولدا، وقد كان سائغا عند العرب، كما كان سائغا عند الرومان، ويلحق المتبنى بنسب من تبناه، فكان يقال له زيد ابن محمد صلى الله عليه وسلم، وكان بمقتضى هذا الإلحاق قرشيا، وتزوج على أنه قرشى، حتى نزل من بعد البعثة تحريم التبنى، وعدم إلحاق الدعىّ بنسب من تبناه. وكان قد أراد محمد بن عبد الله العادل عليه الصلاة والسلام أن يعوضه عن ترك أسرته بذلك التعويض الكريم.
ولقد كان الخصماء يتحاكمون إليه عليه الصلاة والسلام قبل بعثته، فقد روى أن الربيع بن خيثم كان يتحاكم إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى الجاهلية قبل الإسلام، وذلك لما عرف به من الصدق والأمانة والاستقامة، وكونه لا ينطق إلا بالحق، ولا يتجه إلى غيره، ولا يرضى بالباطل أبدا.
[بعد البعثة:]
١٦١- لقد كان عليه الصلاة والسلام يوزع الغنائم، فيعطى كل ذى حق حقه، لا يلتفت إلى ما وراء ذلك، فلا غاية يطلبها إلا تحقيق العدل وإرادته، يعطى الرجل من الغنيمة بمقدار جهاده، وقد يعطى من يريد تأليف قلبه، وقد أسلم على حرف، فهو يعطى لعاعة من المال لمن يريد أن يتألفه، كما كان يعطى بعض القرشيين الذين أسلموا عند الفتح تأليفا لقلوبهم وليستمروا على دينهم الذى دخلوه طوعا من غير إكراه، ولكن لكثرة معاندتهم من قبل تألفهم النبى ببعض من الصدقات.