للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد حدث أن قال بعض الذين فى قلوبهم ضعف إيمان للرسول عليه الصلاة والسلام:

اعدل، فرد عليه النبى عليه الصلاة والسلام «ويلك فمن ذا الذى يعدل عليك بعدى» ولنذكر الخبر، كما فى كتب الحديث، فقد روى قتادة أن رجلا من أهل البادية حديث عهد بالإسلام أتى النبى صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم الغنائم فقال: «يا محمد، والله لئن أمرك الله أن تعدل ما عدلت، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: ويلك، فمن ذا الذى يعدل عليك بعدى، ثم قال: نبى الله: احذروا هذا وأشباهه، فإن فى أمتى أشباه هذا يقرأون القران لا يتجاوز حناجرهم، فإن خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم» وروى مثل هذا فى الصحيحين مسلم والبخارى.

وإن هذا الكلام يدل على عدالة النبى عليه الصلاة والسلام المطلقة فقد سمع القول من المعترض من غير أن يمنعه من الاعتراض، ولكن بين له أنه العادل، وأنه سيكون إرهاق من بعده، فمن عدل كعدله نجا، ومن لم يعدل فقد انحرف إلى الهاوية.

ويدل ثانيا على أن أمثال هذا ممن يرون العدل غير عدل ويحكمون بهواهم، أو بنظرهم بادى الرأى سيكونون شوكة فى جنب الحكم الإسلامي، وأن سلامة الحكم فى ردعهم ولو بالقتل وتكراره، وذلك عقابهم إذا خرجوا على الحاكم العدل وإلا لا يقتلوا، كما قال على «من طلب الحق فأخطأه ليس كمن طلب الباطل فأصابه» .

ثم إن النبى عليه الصلاة والسلام أردف فى هذه الواقعة ما يؤكد عدله المطلق القائم على أمانته، فقال: «والذى نفسى بيده ما أعطيكم شيئا، ولا أمنعكم إنما أنا خازن» .

وإن النبى العادل كان ينفذ الحق فى نفسه، إن ظن أنه اعتدي، كان يقسم الغنائم مرة، وبعض أعراب المسلمين يلاحيه، فرده بعود فى يده، فشكا الألم فأعطاه الرسول الأمين العادل، ليقتص منه، فعفا الرجل، واستحيا أن يفعل.

ولقد كان يخشى لفرط إحساسه بالعدالة، ألا يلقى الله خالصا من حقوق العباد، فقام، وهو مريض مرض الموت، وقد بلغ به الإعياء أشده وقال: «أيها الناس من كنت جلدت له ظهرا، فهذا ظهرى فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضا، فهذا عرضى فليستقد منه، ومن أخذت منه مالا، فهذا مالي، فليأخذ منه، ولا يخش الشحناء فإنها ليست من شأنى، ألا وإن أحبكم إلى من أخذ منى حقا، إن كان له، أو حللنى، فلقيت ربى وأنا طيب النفس» .

ولقد كان محمد عليه الصلاة والسلام ينهى عن الظلم بكل ضروبه، وأكل أموال الناس، وينهى عن معاونة الظالمين بكل أسباب المعاونة، وإنه يشدد فى ذلك، فهو يقول: «اتقوا دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» وقال عليه الصلاة والسلام «من مشي مع ظالم فقد سعى إلى النار، أو كما قال عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>