٩٨- اتجه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم إلى العمل، وقد شب عن الطوق، وإن كان لم يبلغ سن المراهقة، واتجه إلى العمل الذى يستدعى رفقا منه ورعاية، وفيه حنو على الضعفاء، اتجه إلى رعى الأغنام، وهو عمل فيه ثلاث مزايا:
إحداها: أن فيه سياسة لحيوان ضعيف يقتضى عطفا ورفقا فى سياسته.
والثانية: أنه يعاشر فيه الضعفاء من الغلمان الذين ليس فيهم استعلاء أهل الجاهلية الأولى الذين كانوا يستعلون بشرفهم.
والثالثة: أن فيه كسبا ماديا من عمل اليد، وأفضل الكسب ما كان عمل اليد.
وإنه كان يرعى الغنم فى بنى سعد، مع إخوته من الرضاعة أولاد حليمة، فكان يلهو معهم بذلك الرعى فى اخر أيام رضاعته، وأولى سنى حضانته، فكان لهوا مفيدا، وخير اللهو ما كان فيه مصلحة، وفائدة، وكان بلا شك ذلك النوع أجره فيه، إذ أنه لهو، وأجرته هى متعة اللهو الحلال المفيد.
وثبت أنه رعى الغنم فى مكة، وقد كان فى سن شب فيها عن الطوق كما أشرنا، وقد اتجه إليه غير لاه به، ولكنه عامل فيه ليكتسب حلالا، ويأكل طيبا.
ولقد ثبت فى الصحاح أنه كان يرعى الغنم فى مكة على قراريط، يأخذها من أهلها، والقراريط، هى حصته من اللبن فيما يظهر، فهو يرعاها على أن يكون له حصته من لبنها يناله، ولعله كان يتغذى بها مع أولاد أبى طالب، أو يأكل منها، ويتصدق، فينال خيرين: خير الكفاية، وخير الصدقة أو المودة.
ويظهر أن رعاية الغنم من تربية الله للنبيين، إذ تعودهم على الرفق، والعطف على الضعفاء، وحسن قيادة النافر، وتأليفه وتقريبه، وإدنائه من قطيعه.
ولقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم فيما ذكره ابن إسحاق بسنده: ما من نبى إلا وقد رعى الغنم، قيل: وأنت يا رسول الله! فقال نبى الرحمة: وأنا.
وقد روى فى بعض الأخبار أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال:«بعث موسى عليه السلام وهو راعى غنم، وبعث داود عليه السلام وهو راعى غنم، وبعثت وأنا راعى غنم» .