ما كن بلغن سن الزواج قبل الهجرة، وخصوصا أنه ما كان أول أولاده من أم المؤمنين خديجة أنثى، بل ولده القاسم الذى كان يكنى به، ثم ابنه الطيب ثم الطاهر، وهكذا نرى أن السياق التاريخى لا يتسق إلا مع المشهور، وهو ذو السند، ولا سند لغيره.
وأما سنها، فقد كان المشهور أربعين وقيل كانت فى الخامسة والثلاثين، وقيل كانت فى الخامسة والعشرين، ولا سند لهذه الأقوال، ولكن التاريخ يعتمد دائما على المشهور الذى له سند يعتمد عليه، ولا خلاف بين كتاب السيرة فى أن سنها رضى الله تعالى عنها، وجزاها عن الإسلام خيرا كانت أربعين، وغيرها أقوال منثورة لم يؤيدها كتاب السيرة والمحققون.
ولسنا من الذين يتجهون إلى الإغراب، لأن الإغراب إن كان سائغا فى بعض العلوم، فهو لا يسوغ قط فى التاريخ، لأن تتبع الإغراب فى التاريخ إنكار لما اشتهر، وارتضاء بما لم يشتهر من غير سند.
إن الحقائق هى الأمور المشهورة، ورد ما عداها، إلا إن قام الدليل المكذب للمشهور بما لا يقل عنه قوة، والله تعالى أعلم.
[أغناه الله وواساه]
١٠٧- ولد محمد عليه الصلاة والسلام يتيما، وعاش يتيما، ثم اتاه الله تعالى اليسر العامل، وكفاه العيش الكادح، رعى الغنم ودبر التجارة، ثم بسط الله تعالى له الرزق، واتاه الزوج الوفية الرضية، فأكمل الله بها إنسانيته، وأكمل لها أمومتها، وتوافقا فى قطع فيافى هذا الوجود، وكمل كل منهما ما ينقصه بما عند الاخر، هى امرأة شريفة، ذات ثراء، وهو رجل مكتمل عامل قوى أمين، فأغناها بأمانته، وكفلها برجولته، ووجه مالها إلى الخير، بحسن نيته وطيب طويته.
وقد كان يعمل لها فى المال من قبل بأجر مضاعف، تطيب به نفسها، ويكسب مالها على يديه أضعاف ما ينتج غيره، وكان عبدا شكورا، ولو استمر فى هذه الطريق يعمل فى مالها ومال غيرها، لأدر الله تعالى عليه أخلاف الرزق، ولو كان يبتغى المال وأعراض الدنيا هذه، لنال الشباب والمال معا.
ولكنه رأى أن يعمل فى مالها بغير أجر، وأن يضاعفه بغير ثمن، وأن تكون أم ولده، لطيب عرقها وشرف نفسها، وقد تخير لنطفته، فاختار أكمل امرأة فى قريش، وأعلاها فى المكرمات كعبا، وقد اختارها الله تعالى لتكون له ردا فى شدائده، تواسيه بالكلام والعطف والحنان، فى وقت اشتد فيه