البلاء، وعظم الابتلاء، فأعنته المخالفون، وكان عزيزا عليه أن يعنتهم. فكان فى حاجة إلى من يأوى إليه، كما هو فى حاجة إلى من يذود عنه.
وإذا كانت امرأة نوح وامرأة لوط قد تخاذلتا عن معاونة النبيين الصالحين، فامرأة محمد عليه الصلاة والسلام أعلت شأن النساء قاطبة، فكانت الزوج الملهمة المواسية، الودود العطوف الولود، يلقى قريشا وصدودها، وعداوتها وجفوتها، فإذا اوى إلى بيته وجد بردا وسلاما.
وإذا كان قد فقد عطف الأم الرؤم فى صدر حياته فى وقت الحاجة، فقد عوضه الله تعالى فى خديجة زوجا وأما ورفيقة الحياة.
١١٨- أغنى الله اليتيم، كان عائلا فأغنى، فهل طغى واستغنى، هل عبث وتلهى، هل اتخذ الحياة لهوا ولعبا، هل أخذ فى التكاثر، والمكاثرة! لا شيء من ذلك، إنما يفعل ذلك من اتخذ المال غاية، ولم يتخذه سبيلا للخير وعون الإنسان لأخيه الإنسان.
ومحمد عليه الصلاة والسلام ما اتخذ المال بغية يبتغيها، ولا غاية يتطلع إليها، فما أراد التكاثر، وما عرفه فى أى دور من أدوار حياته.
إنما اتخذه وسيلة للمكرمات يقوم بها، وللخير يسديه، فكان يطعم الكل، ويعين على نوائب الدهر، ولا يجد ذا حاجة إلى العون إلا أعانه، ولا ذا خصاصة إلا سدها، ولا ذا مسغبة إلا أشبعه، ولا ذا متربة إلا رفعه، كان يبحث عن مواضع الحاجة، فيرأب ثلمتها.
تلفت فيمن حوله، فرأى كافله وحبيبه أبا طالب فى ضيق، وعيلة، فجاء إلى عمه العباس وكان ذا ثراء، وقال له: هلا أخذنا بعض ولد أبى طالب ليتخفف من ضيق، فعرضا عليه الأمر فقال اتركا لى عقيلا، وخذا من شئتما، فأخذ صلى الله تعالى عليه وسلم، عليا، وأخذ العباس جعفرا، فكان على ولده الذى تربى فى مهد النبوة.
وكل من حول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كانوا ممدودين بعونه وفضله، وخلقه، فكأنه استولى على مال خديجة ليوزع فى الخير ثمراته وليكون خيره عميما، وفضله كثيرا.
وبينما كانت قريش تكسب بالربا والبيع الحلال، وتشبه أحدهما بالاخر، فتقول البيع مثل الربا، كان محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، يتجر فى الحلال، ولا يكسب من إثم، ويعين ويغيث به الملهوف، والكسب مع ذلك وفير.