٣٠٧- أخذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل كما أسلفنا من القول، وما علم فى موسم الحج أن ملأ من قبيل قد جاء إلى مكة المكرمة إلا عرض عليه الدعوة الإسلامية، وإلى التوحيد، والإيمان بالله، وبأنه صلى الله تعالي عليه وسلم رسول الله. وما علم بوجود كبير فى قومه يقول فيتبع إلا عرض الإسلام عليه.
وقد التقى بكثيرين من شمال البلاد العربية وجنوبها ممن جاوروا الروم، وممن جاوروا الفرس، وعقب أن لقى من ربيعة التى تجاور فارس من رأى فيهم من أشراف العرب من كان فيهم نخوة، ومعرفة وإدراك الواجب التقى ببعض رجال من يثرب.
التقى أولا بجماعات منهم، ثم كان الاتفاق على التأييد والنصرة بعد الاتباع على الإيمان، وهدى من الله سبحانه وتعالى.
وكانت يثرب بأحوالها، وما فيها الأرض التى تقبل الدعوة المحمدية، ذلك لأن أهلها كان اليهود يحاربونهم ولم يكونوا معهم على وفاق، كشأن اليهود حيثما كانوا، وأينما ثقفوا، وكان أهل المدينة وثنيين، واليهود أهل كتاب، فكانو يذكرون لهم أنه الان نبى مبعوث ينصر اليهود على الوثنيين، وكما قال الله تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ «١»
وبذلك كانت بين أيديهم معرفة للنبوة، وإدراك للبعثة المحمدية.
وفوق ذلك كان أهل يثرب ينتمون إلى قبيلتى الأوس والخزرج، وكان الخلاف بينهم شديدا، وكانوا يتقاتلون، وربما كان خلافهم بعمل يهودى، كشأنهم فى تفريق الجماعات، وإلقاء بذور الفتن فى أى مجتمع يعيشون فى ظله. فكان التنافر بين الأوس والخزرج قبيلتى يثرب مستمرا، والحرب تقع من وقت لاخر، وفيهم من يهم بالاستنصار بقريش على الاخرين، فكانوا فى حاجة أو نصرة من الخارج، ولتوالى التناحر، وكانوا يرحبون بمن يؤلف بينهم، فكان محمد صلى الله تعالى عليه وسلم هو الجامع بينهم، والله تعالى المؤلف بين قلوبهم، كما قال تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً، فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها.