ولقد حسن إسلام الطفيل وقوى إيمانه، وإن الابتداء يدل على قوة الانتهاء، فقد ابتدأ طالبا للحق مع الموانع والسدود التى وضعتها قريش فى سبيل إيمانه فاجتازها، ووصل الإيمان إلى قلبه، وكان الداعية فى قومه، حتى هداهم إلى سداد.
وإن قصة إيمان ذلك الرجل تدل على قوة نفسه وعقله وخلقه، وأن المنع لم يجعله يمتنع بل جعله يبحث ويفكر، فإذا كانوا قد زينوا إليه ألا يسمع من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فقد زين الإيمان فى قلبه أن يذهب وراء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى داره.
وهو قد باعد التقليد عن قلبه، والتقليد هو الذى يعمى عن الحقائق، ويمنع الاتجاه إليها.
[قدوم رسول ملوك حمير]
٦٧٠- الإسلام بعد علم العرب أجمعين به صار هو يدعو لنفسه، لما اشتمل عليه من حقائق ولأنه دين الفطرة، ولم تعد الحوائل تحول بينه وبين الناس، فصار الناس يدخلون فيه طواعية من غير أى نوع من أنواع الإكراه أو التقليد، أو الاتباع من غير علم، بل صارت الحقائق واضحة نيرة. لا يمنع نصرانى ولا يهودى من الاتباع، فاستقامت قلوبهم. ورضوا بالإسلام دينا، ولم يعد الأمراء يقفون محاجزين بين الأقوام والإيمان، وخصوصا بعد أن علموا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، كان يبقى الأمير على إمرته ما استقام أمره، وما عدل فى قومه. ولم يرهقهم من أمرهم عسرا.
وكانت الوفود تجيء إليه معلنة الإسلام. ومنهم من كان يرسل رسولا، وملوك حمير وهم يمثلون الكثرة الكاثرة فى اليمن لما رأوا الإسلام قد غلب فى كل أرض الشمال، وتراجعت أمامه جيوش الروم التى كدسوها لغزو الإسلام، واقتلاعه، واقتلاع عز العرب، فعاد جندهم ولم يلاقوا محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن قتلت جنوده مع قلة عددهم منهم مقتلة عظيمة، وعادوا بحكمة خالد بن الوليد سالمين لم يفقدوا إلا بضعة عشر رجلا.
أدرك ملوك حمير قوة الإسلام منطقا وعقلا وحقا، وأدركوا شوكة الإسلام أمام الرومان فأرسلوا رسلا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعلنون إسلامهم، والملوك كحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذى رعين، ومعافر وهمدان وزرعة ذويران مالك بنى مرة الرهاوى، قد أعلنوا الإسلام، ومفارقة الشرك.
وقد كتب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كتابا للوفد الذى جاءه يبين فيه حقائق الدين وما يجب على الأفراد، ليعلموا به من وراءهم، وإليكم الكتاب كما رواه الواقدى: