حسنا، فقلت فى نفسى، وا ثكل أماه، والله إنى لرجل لبيب شاعر، ما يخفى على الحسن من القبيح، فما يمنعنى أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان ما يقول حسنا قبلت، وان كان قبيحا تركته.
فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى بيته، فتتبعته، حتى إذا دخل بيته، دخلت عليه فقلت: إن قومك قالوا لى كذا وكذا، فو الله ما برحوا يخوفوننى أمرك، حتى سددت أذنى بكرسف لئلا أسمع قولك، فأبى الله تعالى إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولا حسنا ... فاعرض على أمرك، فعرض على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الإسلام، وتلا عليّ القرآن الكريم، فو الله ما سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمرا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا رسول الله، إنى امرؤ مطاع فى قومى، وإنى راجع إليهم، فداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يجعل لى آية تكون عونا لى فيما أدعوهم إليه، فقال: النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: «اللهم اجعل له آية» ، وبعد أن ذكر هذه الآية، وهو نور جاء على وجهه، ثم على وسطه. قال بعد ذلك: «لما نزلت أتانى أبى وكان شيخا كبيرا، فقلت: إليك عنى يا أبت، فلست منى، ولست منك، قال: ولم يا بنى، قلت قد أسلمت وتابعت دين محمد، قال يا بنى دينى دينك. فقلت: اذهب فاغتسل وطهر ثيابك ثم تعال، حتى أعلمك ما علمت ... ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم، ثم أتتنى صاحبتى فقلت لها إليك عني، فلست منك، ولست منى:
فقالت لم بأبى أنت وأمى؟ قلت فرق الإسلام بينى وبينك، أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله تعالى عليه وسلم. قالت فدينى دينك، قلت فاذهبى فاغتسلى ... ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت.
بعد ذلك انتقل من الدعوة الخاصة إلى دعوة دوس عامة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يستنكروا ولكن أبطأوا.
عاد إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله إنى قد غلبنى على دوس الزنا (أى اتباعهم لأهوائهم وشهواتهم) فادع عليهم، ولكن الهادى الأمين رسول رب العالمين صلى الله تعالى عليه وسلم لم يدع عليهم بل دعا لهم بالهداية، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم:«اللهم اهد دوسا» ثم قال لطفيل: ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله تعالى وارفق بهم.
فرجع إليهم، واستمر بأرضهم يدعوهم إلى الإسلام، حتى استجابوا أو أكثرهم.
بعد هذا جئت إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بوفد، فنزلت المدينة المنورة بسبعين أو ثمانين فى وقت توزيع الغنائم من خيبر، فأسهم لهم مع المسلمين.