للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن ممن يجعلون الاعتقاد عنصرية، بل كان ممن يؤمنون بالحق، ويعلمون أن الحق أحق أن يتبع، ويقول ابن إسحاق «غلب عليه إلف دينه، حتى إذا كان يوم أحد، قال: يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق» .

ثم أخذ سلاحه، فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بأحد، ودخل في جنده وعهد إلى من وراءه من أهله، فقال: إن قتلت هذا اليوم، فأموالى لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم يصنع فيها ما أراه الله سبحانه وتعالى.

فقاتل حتى قتل، فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول:

«مخيرق خير يهود»

وقد أسلم في ساعته الشديدة، يوم جاءت قريش تريد أن تغزو المدينة المنورة ثأرا وانتقاما، فأبى إلا أن يكون مع المؤمنين، فاستشهد في سبيل الله تعالى، فكان خيرا في ذاته، وكان خير من في اليهود.

[الغيرة:]

٣٩٧- صدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول في شأن أهل الكتاب عامة، واليهود خاصة، ... مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ. (المائدة- ٦٦) ، ولكن الكثرة هى التى كان لها لجب وصخب، وهى التى ظهرت بلجاجتها، وعنفها في الكراهية وحسد الناس، وهؤلاء هم الذين ظهروا، وهم الذين ظهر زبدهم، واستمر ظاهرا، فهم يكرهون الناس، أينما كانوا، وحينما ثقفوا.

وقد ذكرنا حالهم بعد غزوة بدر، وأعمالهم التى كانت أثرا لانتصار أهل الإيمان، فإن الخير يجيء إلى المحسود، فيزيد الحاسد بغضا وضراوة.

لقد سكتوا في السنة الأولى عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على إثر المعاهدة التى عقدها، والموالاة التى أولاهم بها، ليكون منهم جماعة مندمجة معه، وهى على دينها، ولسان حاله يقول لهم لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ وليس بيننا وبينكم من بعد إلا التواد، والتعاون على البر والتقوى، والتناصر على أعداء المدينة المنورة الذين يهاجمونها.

كان ذلك، والحسد للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وللذين آمنوا يملأ قلوبهم، والضغن يأكل صدورهم، فإذا كان المؤمنون قد أخلصوا في ولائهم فأولئك قد أضمروا البغض.

ولما كان الانتصار، كان أولى ثمرات الانتصار في قلوبهم المدنفة بالحسد أن تحركوا لإفساد أهل الإيمان وتعاونوا في ذلك مع المشركين.

<<  <  ج: ص:  >  >>