اجتذبوهم إلى النفاق، فانجذبوا إليه، وكان منهم منافقون، والنفاق يسكن القلوب الحاقدة الحاسدة الضعيفة المستكينة، فكان أوّل أثر مرير من آثار تلك الغزوة المباركة أن ظهر النفاق ناتئا برأسه، ويفت في جماعات المسلمين، ويعملون على تفريق صفوفهم ويشتد أثر النفاق في مدة الحروب، حيث تشتجر السيوف، وتلتحم الأجسام.
ففى غزوة أحد التى كانت في السنة الثالثة، كانوا يبثون في جيش المسلمين روح التمرد والهزيمة، ويأخذون قلوب الضعفاء من المؤمنين يبثون فيها الذعر والخوف، حتى همت طائفتان من جيش الإسلام أن تفشلا، كما قال تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ، تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا، وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(آل عمران ١٢١: ١٢٣) .
وهاتان الطائفتان كانتا من المنافقين، وضعاف الإيمان، فإذا كان المؤمنون في غزوة بدر قد دخلوا وقلوبهم مستبشرة، فقد دخلوا في غزوة أحد، والمنافقون يبثون فيهم روح التردد والعجز، ولكن الله سبحانه وتعالى عليه نصر المؤمنين إن لم يأخذوا في أسباب الهزيمة، وإن استقاموا على الطريقة، ولم يخالفوا، وأنه إذا كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعيش في المدينة المنورة والمؤمنون من أصحابه يحيط بهم أولئك المنافقون والمفتونون والحاسدون، فإنه يجب عليه الحذر منهم، وقد نفذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك بأمر ربه، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا، وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ. ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ، وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا، وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ، قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها، وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً، إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (آل عمران ١١٨: ١٢٠) ، وهكذا نجد حقد اليهود وصدهم قد أفسد النفوس، وفرق ما بينهم وبين أهل الإيمان.
ولم يقفوا عند حد العمل على إفساد العلاقات الاجتماعية بين الناس، ومحاولة إضعاف الإيمان، وإغراء غير المؤمنين بالنفاق، حتى شاركوهم، بل كانوا يحاولون التشكيك في قلوب المؤمنين، لأنهم يودون أن يكفروا حسدا من عند أنفسهم.