٦٢٨- جاء فى أول غزوة حنين أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم علم أن عند صفوان بن أمية عارية فأعار الجيش الإسلامى دروعا وأسلحة، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم تعهد بضمانها، وقال:
عارية مضمونة، أفمؤدى هذا الضمان أن يردها عليه، ولا يغتال لها الجيش الإسلامى، أم المراد أنها واجبة الإرجاع بقيمتها إن تلفت، أو نحو ذلك.
اختلفت أنظار الفقهاء فى فهم ذلك.
وخلاصتها أن الفقهاء أجمعوا على أن الإعارة فى يد المستعير كالوديعة لا تضمن إلا إذا تلفت بالتقصير فى الحفظ، أو استعمالها فى غير ما أعيرت له، فإن ذلك يكون تعديا، والتعدى يوجب الضمان، ولأن الإعارة تبرع، والتبرعات لا تضمن إن تلفت إذا كان التلف بالاستعمال الذى أعيرت له.
وإن الشافعى رحمه الله قال إن الشروط الظاهرة فى العقود توفى كما نص عليها، فالعارية تقبل الضمان إذا اشترط الضمان، وتكون مضمونة بالشرط، ولا تكون كالغصب لأن الغصب مضمون بالتلف دائما، لأن اليد فيه يد معتدية، وهى توجب الضمان عند التلف.
أما العارية فالأصل أنها تكون أمانة فى يد من أخذها، إذ لا يكون اعتداء، ولكن يجوز أن يتفق الطرفان على الضمان، وخصوصا إذا كانت الإعارة لأمر يكون مظنة التلف كأسلحة الحرب، أو طاحونة للإدارة؛ فإن التلف يكون مظنونا وقريبا.
وقال أبو حنيفة ومالك وبعض جمهور الفقهاء: إن العارية لا تضمن ولو بالشرط، لأن ذلك قلب لحقيقة معناها، إذ هى وديعة فى معناها، والوديعة لا تضمن، فهى لا تضمن، ولكن يجب أن يلاحظ أن ثمة فرقا بين الوديعة والعارية، فالعارية تستعمل بإذن المالك، والوديعة لا تستعمل، بل استعمالها بغير إذن صاحبها، يخرج من معنى الوديعة إلى معنى آخر، وهو العارية، وبغير إذن المالك تتحول اليد إلى يد معتدية.
وإن أولئك الفقهاء الذين قالوا: إن العارية لا تكون مضمونة، قالوا إن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يرد الضمان برد العين، أو بقيمتها إن تلفت إنما أراد أنها مؤداة أى مضمون أن تعاد إلى صاحبها إن سلمت، فإن تلفت لا يتصور ضمان قيمتها، وذلك لأن العبارة رويت عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأنه قال مؤادة فى بعض الروايات، فهذا يدل على أن المراد من كلمة مضمونة فى الرواية الأولى أن