٦٤٥- لما نزل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بتبوك بعث إليه قيصر كتابا بعد أن لم يبعث جيشا، روى الإمام أحمد أن قيصر الروم قال: «ادع لى رجلا حافظا للحديث عربى اللسان أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه (أى الذى بعثه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أيام الهدنة) فجيء بالرجل فدفع إليه الكتاب، واسم الرجل التنوخى، والقول عن الكتاب يسند إليه، فهو يقول جاءنى فدفع هرقل إلى كتابا، فقال: اذهب بكتابى هذا إلى هذا الرجل، فما سمعت من حديثه، فاحفظ لى منه ثلاثا، فلينظر فى صحيفته أكتب إلى بشيء، وانظر إذا قرأ كتابى هل يذكر الليل، وانظر فى ظهره، هل به شيء يريبك.
قال الرجل: فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوكا، فقلت: أين صاحبكم؟ قيل: ها هو ذا، فإذا هو جالس بين ظهرانى أصحابه محتبيا على الماء، فأقبلت أمشى حتى جلست بين يديه، فناولته كتابى فوضعه فى حجره، ثم قال: من أنت؟ فقلت: أنا تنوخ. قال: هل لك إلى الإسلام الحنيفية ملة أبيكم إبراهيم؟
قلت: إنى رسول قوم، وعلى دين قوم لا أرجع عنه، حتى أرجع إليهم، فضحك وقال: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص: ٥٦) يا أخا تنوخ إنى كتبت إلى كسرى والله ممزقه، وممزق ملكه، وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها.
ولن يزال الناس لا يجدون منه بأسا مادام فى العيش خير. قلت هذه إحدى الثلاث التى أوصانى بها صاحبى، فأخذت سهما من جعبتى، فثبته فى جنب سيفى، ثم إنه ناول الصحيفة رجلا عن يساره، قلت: من صاحب كتابكم الذى يقرأ لكم؟ قالوا: معاوية، فإذا فى كتاب صاحبى «تدعونى إلى جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار» فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سبحان الله، فأين الليل إذا جاء النهار؟ قال: فأخذت سهما من جعبتي، فألقيته فى جلد سيفى، فلما أن فرغ من قراءة كتابى قال إن لك حقا، وإنك لرسول، فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها، إنا سفر مرسلون، قال: فناداه رجل من طائفة الناس: أنا أجيزه، ففتح رحله فإذا هو بحلة صفورية، فوضعها فى حجري، قلت: من صاحب الجائزة؟ قيل لى عثمان ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أيكم ينزل هذا الرجل، فقال فتى من الأنصار: أنا. فقام الأنصارى وقمت معه حتى إذا أخرجت من طائفة المجلس نادانى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يا أخا تنوخ، فأقبلت أهوى، حتى كنت قائما بمجلس فى مجلسى الذى كنت بين يديه فحل حبوته عن ظهره، فقال: هاهنا امض لما أمرت به فجلت فى ظهره فإذا أنا بخاتم النبوة فى موضع غضون الكتف» .