وقد قال ابن كثير فى رواية هذه الخطبة أن طريقها مرسلة إلا أنها مقوية لما قبلها، وإن اختلفت الألفاظ.
كانت هذه الخطب على ما فى متن أولاها من نقد، وعلى أنها مرسلة، بيد أنها فى جملتها على منهاج النبى صلّى الله عليه وسلّم فى دعوة المؤمنين لتقوية إيمانهم، وتغذيته بتقوى الله تعالى، كما دلت أقوال النبى قبل الهجرة على منهاجه فى دعوة المشركين إلى التوحيد.
[بناء مسجده عليه الصلاة والسلام]
٣٣٣- هذا هو الأمر الثالث الذى ابتدأ به النبى صلّى الله عليه وسلّم إقامته فى المدينة المنورة.
لقد ابتدأ صلّى الله عليه وسلّم ببناء مسجد فى قباء، وهو المسجد الذى ذكر الله سبحانه وقال فيه.. لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ «١» وأنه يجىء إليه الذين يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين، ولما نزل فى بيت أبى أيوب اتجه تفكيره إلى إنشاء مسجد بالمدينة المنورة الذى هو أحد المساجد الثلاثة التى تشد إليها الرحال وهى: المسجد الحرام، ومسجد بيت المقدس (المسجد الأقصى) ، وهذا المسجد، أو كما قال عليه الصلاة والسلام (مسجدى هذا) .
روى عن ابن شهاب الزهرى أنه قال: بركت ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى موضع مسجده، وهو يصلى فيه رجال من المسلمين، فكان مصلى لهم قبل أن يا بنى صلّى الله عليه وسلّم فيه مسجده.
ولقد كان ذلك الموضع الذى بركت فيه الناقة مربدا لغلامين يتيمين فى المدينة المنورة من أولاد الأنصار، وكان اليتيمان فى كفالة أسعد بن زرارة الذى كان أول داع للإسلام فى المدينة المنورة قبل هجرة النبى صلّى الله عليه وسلّم إليها.
ساوم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الغلامين، أو وصيهما أو هما بحضرة وصيهما، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام أبى إلا أن يكون بالثمن، فابتاعه منهما بعشرة دنانير.
وكان قبل شراء رسول الله عليه الصلاة والسلام جدارا لا سقف له، وكان يصلى فيه، ويقيم الجماعات والجمعة أسعد بن زرارة، قبل مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو بمكة المكرمة وقد جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجعل ذلك المصلى مسجده كما أشرنا.
وقد جعله صلّى الله عليه وسلّم بناء مربعا، طول كل بعد من أبعاده مائة ذراع، وقد قال ابن القيم رضى الله عنه، جعل أساسه قريبا من ثلاثة أذرع، وتم بناؤه باللبن، وبعضهم قال إن بعضه كان بالحجر المنصنود.