٥٣٩- كثرت الأحكام التى شرعت فى أثناء غزوة خيبر لطولها ولتنوع أحداثها، وهى جزء من تبليغ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رسالة ربه فما كان نبيا للقتال، بل كان نبيا مبلغا رسالة ربه؛ فهو المطلوب فى السلم وفى الحرب، وهو مطلوبه بالذات والقصد الأول، وما كانت الحرب إلا دفاعا ومنعا للفتنة، وتعبيد الطريق لكى تسير فى مسارها لا يحول حائل بينها وبين القلوب؛ ولا إكراه فى الدين من بعد أن تصل الدعوة فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (الزمر: ٤١) . فالدعوة هى لب الرسالة والحرب لدفع ما يعترض طريقها.
ومن أظهر الأحكام الشرعية التى ثبتت فى خيبر.
[إباحة المزارعة والمساقاة:]
٥٤٠- وأظهر الأحكام هو ما صنعه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مع أهل خيبر من دفع الأرض إليهم على نصف غلاتها والأرض مملوكة للمسلمين. فدفعها إليهم على نصف الغلات مزارعة ومساقاة. لأن دفع الأرض لزراعتها على سهم معلوم للمالك مزارعة. ودفع الشجر لإصلاحه على سهم معلوم للمالك مساقاة. والاتفاق بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وبين يهود خيبر يتضمن الزرع وإصلاح الشجر فهو يتضمن مزارعة ومساقاة معا.
ومن قال أن عقد المزارعة فاسد، فقد رد السنة وذلك غير جائز.
وإن المزارعة والمساقاة إجارة ابتداء، وقد تكون إجارة فاسدة. وهى مشاركة انتهاء. وإن ذلك وصف فقهى؛ وليس حكما شرعيا والحكم الشرعى قد ثبت بفعل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه صحيح فلا مشاحة فيه، وللفقهاء أن يطبقوا أقيستهم الفقهية كما يرون ما يكون منها صالحا للتطبيق وما لا يكون صالحا يردونه وعمل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وما يؤدى إليه من إباحة فوق ما يقررون من أقيسة قد تخطيء وقد تصيب ولا قياس مع النص.
وإن هذه المزارعة كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لا يقدم البذر، بل كان البذر والعمل من العامل وعمل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يجيز ذلك النوع من الزراعة كما يجيز أن يكون البذر والأرض من صاحب الأرض، وكما يجوز أن يكون البذر منهما.
ويشبه ابن القيم الأرض برأس المال فى المضاربة، وقد يضيف إليه المالك البذر وربما لا يضيفه كما فعل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.