للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجود بأوهام توهموها، وأساطير اكتتبوها، فكانت الزرادشتية التى تفرض أن الوجود له إلهان إله الخير وإله الشر، وأن كليهما يتنازع النفس الإنسانية والكون وما فيه.

وإن هذا- بلا ريب- باطل لا أصل له من دين، ولكن قد يقال إنه تحريف لدين سماوى، كان يدعو لعبادة الله تعالى واحده، ولا مانع من ذلك عقلا، وقد وجد فى بعض كتب ذلك بقايا تبشر بمحمد عليه الصلاة والسلام، وقد قال تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ «١» .

ولكن نجد بجوار ذلك مذهبا اجتماعيا خطيرا يدعو إلى القوة، وأنه لا عبرة بالضعفاء، وأنهم لا يصلحون للبقاء، فالحق مع القوى دائما، والباطل مع الضعيف دائما، فقانون الحياة يعمل للأقوياء على الضعفاء، ويجب أن يبقى الأقوياء، وأن يفنى الضعفاء، فلا إيمان بالعدل، وإنما الإيمان بالقوة.

[المانوية:]

٥- ثم كان بفارس أيضا مذهب يحسب أن الوجود الإنسانى كله شر يجب ألا يبقى، بل يجب العمل على إفناء الإنسان، وهو مذهب (مانى) وعقيدته تسمى المانوية، فهو مذهب يدعو إلى الفناء. ولذلك يمنع الزواج، حتى لا يكون تناسل، وينتهى ذلك الإنسان الذى اعتبر وجوده لعنة فى الأرض، ومادام الإنسان فى الإنسال مستمرا، فإن اللعنة الإنسانية مستمرة، وكأنه يحسب أنه نزل إلى الأرض بخطأ ارتكبه أبوه، فالخطيئة باقية بوجوده.

[المزدكية:]

٦- وبعد ذلك جاء المذهب المخرب، كان مذهبا اخر يحل الواحدة الإنسانية، والعلاقة الفاضلة، وهو مذهب (مزدك) الذى انتشر فى فارس، وأساسه إباحة النساء، فلا زواج ولا ارتباط، بل يسافد الإنسان كما يسافد الحيوان من غير أى قيد من رابطة حافظة للأنساب، وراعية للطفولة المقبلة، كما أباح الأموال، فلا ملكية تحمى إنسانا، من إنسان، بل كل الأموال مباحة للجميع من غير أى نظام، فهو يمنع القيود فيها كما يمنع القيود فى النساء.

وجملة هذا المذهب أنه يبيح الانطلاق من كل قيد، كما أن الحيوان فى البادية أو الغابة منطلق، لا يقيد إلا بقوة غير التى ترسم له حدا لا يتعداه.

والوهم الذى قام عليه ذلك المذهب أنه زعم أن الشحناء والبغضاء تتوالدان من احتياز النساء بالزواج أو نحوه، واحتياز المال بالملكية، ويحسب أنه إذا زالت روابط الزوجية، وزالت الملكية للأموال يكون الناس فى


(١) سورة فاطر: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>