أحدهما: فى جماعة على، وقد برأه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ورد كيد الكائدين وأطفأ نيران الغضب عند من ظهر غضبه.
الموطن الثانى: فى خلافته وخروج البغاة عليه، وتحرك الضغائن، وفى هذه المرة لم يكن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حيا، فلم يقف بغدير خم يقول:«اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» .
[تولية على قضاء اليمن:]
٦٩٤- كان القضاء فى العادات العربية يتولاه أسن الرجال، وأكثرهم تجارب، ومعرفه لعادات القبائل، فكان يقضى مثل أكثم بن صيفى الذى عاش حتى بلغ نحو التسعين من عمره، لأن القضاء يحتاج إلى فضل تجربة وفضل تأثير، لتنفيذ الأحكام نفسيا، ويذعن المتخاصمون لها قلبيا ويكون له من الجلال فى وسط قومه ما يجعل قوله فصلا، يؤمنون بالعدل فيه.
ولذلك لما عهد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى على أن يقضى فى اليمن فى غير الحيز الذى كان فيه معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعرى إذ كان اختصاصه يعم اليمن كله، لما عهد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك إلى على استصغر سنه وعرض على النبى صلى الله عليه وسلم أنه حدث السن، إذ لم يكن إلا فى حدود الثانية أو الثالثة والثلاثين.
روى ابن ماجة، والإمام أحمد عن على كرم الله وجهه، قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، تبعثنى إلى قوم أسن منى، وأنا حدث لا أبصر القضاء، فوضع يده على صدرى، وقال: اللهم ثبت لسانه، واهد قلبه، يا على إذا جاءك الخصمان، فلا تقض بينهما، حتى تسمع من الآخر ما سمعت من الأول، فانك إذا فعلت ذلك تبين لك الحق. فما اختلف على على قضاء بعد.
وإن هذه الدعوة النبوية قد صدقت فى على كرم الله وجهه، فقد ثبت الله تعالى لسانه، حتى كان أخطب الناس بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأثبت الناس قولا بعده عليه الصلاة والسلام وكان مهديا، فما لان فى حق ولا مالا مبطلأ، وهداه فى القضاء حتى روى أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال:«أقضاكم على» وكان عمر كما ذكرنا يسأله إذا أعضل عليه القضاء فى مسألة من مسائله، فيقول: مسألة، ولا أبا حسن لها.