ويقول ابن كثير:«معلوم لكل ذى لب أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم من أعقل خلق الله تعالي، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاق فى نفس الأمر»«١» .
وإن مظاهر عقله بدت واضحة بعد البعثة فى سياسة رعيته، فقد كان الله يوحى إليه بالأحكام الشرعية، وما يجب من الرفق بالرعية، والأخذ على يد الظالم، وحماية الحق من الباطل، ويترك الرسول عليه الصلاة والسلام أن ينفذ الحق فى رعيته، بالمسلك الذى يسلكه مختارا، مسددا، فإن تبين خطأ نبهه سبحانه وتعالى عليه إذا كان أمرا متصلا ببيان الشريعة وأحكامها.
وإنه فى الأمر الذى تركه سبحانه وتعالى له بدا عقل النبى عليه الصلاة والسلام فى إحكام التدبير وكياسة الحكيم.
اشتد أمر النفاق والمنافقين، وكثرت أضرارهم، فطلب عمر رضى الله تعالى عنه من محمد ابن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يقتلهم، فقال عليه الصلاة والسلام «لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» ثم اشتد النفاق، حتى هم أهل كل بيت فيه منافق أن يقتله، فقال عليه الصلاة والسلام: أين عمر، لو قتلتهم حين رأى قتلهم لأرعدت لهم أنوف هى اليوم تريد قتلهم.
فبهذا العقل الحكيم استقبل رسالة ربه، وبهذا العقل الحكيم أدار المدينة الفاضلة التى قامت على حكم الله تعالى وأمره ونهيه، ونفذت فيها النظم الاسلامية.
٢- بلاغته
١٣٠- كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قرشيا قد نشأ فى قريش، وهى أفصح اللهجات العربية، وكان يحضر أسواق مكة فى موسم الحج، ويتذوق ما ينشد فيها من شعر، وقد تفصح فى بنى سعد بهوازن، وهوازن من أفصح العرب، فالتقى فى بيانه لغة العقل والحضارة النسبية فى مكة المكرمة، وسذاجة البداوة مع حلاوة اللفظ وسهولته فى لهجة أفصح أهل البادية.
ولذلك كان النبى محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم أفصح الناس منطقا، ينطق بالحكمة وفصل الخطاب، فهو إذا أرشد كانت ألفاظه كالجوهر تنثر بين الناس من غير بهرجة، وفيها جوامع الكلم وفصل الخطاب.
وإذا تحدث فى معاملات الناس وفى سمرهم الذى لا مجون فيه كان كلامه النمير العذب يسرى فى النفوس سريان النسيم العليل، والماء العذب، ينعش القلوب، ويروى ظمأ النفوس.