وجاء فى الروض الأنف فى تعليل ذلك:«وإنما جعل الله تعالى هذا فى الأنبياء تقدمة لهم ليكونوا رعاة الخلق، ولتكون أمتهم رعاية لهم، وقد رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه ينزع عن قليب، وحوله غنم سود، وغنم عفر، قال ثم جاء أبو بكر رضى الله تعالى عنه فنزع نزعا ضعيفا، والله يغفر له، ثم جاء عمر، فاستحالت غربا، يعنى الدلو، فلم أر عبقريا يفرى فريه» فأولها الناس بالخلافة لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما، ولولا ذكر الغنم السود والعفر لبعدت الرؤيا عنهما «١» .
وإن هذه الرؤيا الصادقة أو مأت إلى الرعية، بأنها كالغنم العفر، للإشارة إلى أن الرعية يسوسها حاكمها بالرفق والعطف، والتوجيه من طلب الغذاء لها من غير إعنات، ينقلها من الخير إلى الخير من غير إرهاق ولا إكراه، ولا إيذاء، كما ينقل الراعى قطيعه من كلأ إلى كلأ، ومن ماء إلى ماء بالترغيب والتحبيب لا بالإيذاء والترهيب.
[حماية الله تعالى]
٩٩- حمى الله تعالى محمدا فى نشأته، فكفله محبوه، فلم ترهق أعصابه، ولم يرهق فى يتمه، فنبت نبتا حسنا محبوبا أليفا مألوفا، وحمى نفسه من أن تتردى فى مهاوى الانحراف.
لقد كانت طبيعة العمل الذى اختاره الرسول، لأنه أسهل الأعمال إليه أن يختلط بصبيان من طبقات مختلفة أكثرهم من طبقات الفقراء والخدم والعبيد، فأولئك الذين كانوا يؤجرون لهذا العمل الذى لا يعد من معالى الأعمال بل يعد من صغارها، ومع أنه كان مع الخدم والعبيد والغلمان، لم تنزل نفسه عن عزتها من غير استعلاء، فكان يجذبه إلى العلا شرف نسبه وطيب محتده، وما يراه فى أسرته من سمو وعلو وسيادة، وما يكمن فى طبعه الكريم من حب لمكارم الأخلاق من غير غطرسة، ولا كبرياء، ولا استهانة أو استصغار للضعفاء، ويجذبه إلى التطامن والرضا بالقليل صغر العمل فى ذاته من غير نظر إلى ثمراته، وأثره فى تربية النفس على حسن المعاملة، والرفق بالناس.
وكان الأحداث منهم خصوصا الذين انغمس ذووهم أو أولياؤهم فى الشهوات يستولى على قلوبهم حب اللهو البريء وغير البرىء، ومنهم ينزع إلى الشر من بعد، ويكون عنصر فساد فى المجتمع إذا شدا وترعرع وبلغ أشده، وإذا كان الضعف يثير الرحمة، ويدفع إلى الحب الخالص البريء، فهؤلاء يدفعون إلى المجون، والمجون يهدى إلى سيطرة الهوى وسيطرة الهوى تهدى إلى الفساد، والصحبة تجعل السقيم يعدى البرىء، وقد تعدى الصحاح مبارك الجرب، كما يقول الشاعر العربى الحكيم.