للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما ينكره ابن القيم نحن نثبته، ونرجح أن المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض والأنصار بعضهم مع بعض نقررها؛ وذلك لأن الحافظ ابن كثير لم يتكلم في صحة هذه الرواية المثبتة، ولأن قصر الباعث في المؤاخاة مجرد تمكين المهاجرين من الارتفاق من إخوانهم الأنصار قصر لا دليل عليه، بل هو أخذ من ظاهر الهجرة، والإيواء والنصرة، كما صرح بذلك القرآن الكريم.

إن المؤاخاة ليس المقصود منها فيما نحسب هذا الارتفاق فقط، ولكن آثار غير ذلك منها:

[أولا: عقد الألفة بين الضعيف والقوي]

، وتمكين الصحبة بين المؤمنين وألا يتعالى مؤمن على مؤمن، وناهيك بمؤاخاة حمزة الشريف النسيب مع زيد بن حارثة المولى الذى كان عبدا، ومن عليه صلى الله تعالى عليه وسلم بالعتق، وكان قد أعلاه، وجعله ابنا له، حتى حرم الله تعالى الأدعياء وقال سبحانه:

وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ (الأحزاب- ٤) فكان من حكمة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن جعله أخا لابن عبد المطلب.

وثانيا: [تطهير النفس من العصبية الجاهلية]

أن المهاجرين كانوا من قبائل مختلفة، والقرشيون منهم من كانوا من بيوت متنافسة، فكان لا بد من محو العصبية والدمج بينهم بحكم أخوة الإسلام.

ثالثا: [نسيان الضغائن والأحقاد السابقة]

أن الأنصار لم يكونوا متالفين فيما بينهم، فكانت على مقربة من هدايتهم العداوة المستعرة الأوار بينهم، بين الأوس والخزرج، فكان لا بد من العمل على نسيانها، وذلك بالمؤاخاة المحمدية.

رابعا: [تشريع نظام يبني وحدة المسلمين]

أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عند ما عقد المؤاخاة كان يشرع للأمة من بعده هذا النظام الذى يجمع المسلمين، ولم يكن حكما لحادثة واقعة، ولا علاجا مقصورا على ما بين المهاجرين والأنصار، بل هو تأليف للمؤمنين ونظام متبع، وربما تكون الحاجة إليه من بعد أشد وأكبر، ولذلك كان ولاء الموالاة الذى تقرر أنه لم ينسخ، وأنه بين العرب وغيرهم من الأعاجم الذين يدخلون في الإسلام من بعد.

٣٣٨- وقد أثمرت المؤاخاة ثمرتها، وربطت بالمودة على قلوب المؤمنين، روى البخارى، ومسلم والإمام أحمد عن أنس: أن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة، فاخى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فقال له سعد: أنت أخي، أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالى، فخذه وتحتى امرأتان، فانظر أيهما أعجب لك حتى أطلقها، فقال عبد الرحمن: «باراك الله في أهلك ومالك، دلونى على السوق، فدلوه، فذهب، فاشترى وباع، فربح، فجاء بشىء من أقط وسمن، ثم لبث ما شاء الله تعالى أن يلبث فجاء وعليه ودك من زعفران، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:

<<  <  ج: ص:  >  >>