للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تعالى عليه وسلم، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم جاء فجلس، فطولت رجاء إن يذهب، ويدعني، فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: طول يا أبا عبد الله ما شئت فلست بقائم حتى تنصرف.

فقلت والله لا عتذرت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولأبردن صدره، قال فانصرفت، فقال: السلام عليك يا أبا عبد الله، ما فعل شراد جملك، فقلت: يا رسول الله والذى بعثك بالحق ما شرد ذلك منذ أسلمت، فقال عليه الصلاة والسلام: رحمك الله مرتين أو ثلاثا، ثم أمسك عنى فلم يعد «١» .

انظر أيها القاريء الكريم للتأديب النبوى لأصحابه من غير أن يكون فحشا، وفى حياء المؤمن، وأدب الهدى المحمدي، لقد لا حظ رجلا يرى جمعا من النسوة يعجبنه، فيلبس أحسن ثيابه، ويجلس إليهن، فيسأله فيكذب، فيراه يخطئ خطأين:

أولهما- أن يخرق حجاب الحياء فيجلس فى مجلس النساء، وذلك خدش لحيائهن، وتهجم عليهن، واختراق لحجاب الحياء فى ذات نفسه، ثم يكذب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ويلح النبى ويوميء من طرف خفى إلى أنه لم يقل الحقيقة. فيكرر له ما اعتذر به وقتا بعد اخر بأناة، وذلك ليحمله على التوبة والاستغفار، إنه يريده على التوبة عن أصل ما ارتكب ثم عن الكذب، فأخذ يكرر السؤال فى شبه مداعبة، وهو يقصد اللوم، إنه ما انتهى من تكرار القول. وهو يعرف مداه من القلب، حتى أقر بما ارتكب، وبأنه قد كذب على الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه، والإقرار بالذنب أول أبواب التوبة، وقد ندم على ما فعل بدليل تهربه من مواجهة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

[جوده عليه الصلاة والسلام:]

١٤٠- الجود إذا لم يقصد به التفاخر، كان بابا من أبواب الخير الذى يكون بالعطاء لذى الحاجة الذى لا يمتن فيه ولا يستكثر، بل يبذل سدا لحاجة محتاج، أو لإعانة مستعين، أو ليتصدق يرجو ما عند الله تعالى، لا يرجو من الناس جزاء ولا شكورا، وهو بهذا خلق جماعى يربط المودة بين احاد الجماعة، ولقد عد الحكماء أن الفضائل أربعة جعلوا منها الحكمة والشجاعة، والعفة والسخاء، فهو فضيلة عامة، لا تصدر إلا عمن يحس بحق الجماعة عليه.

ولقد كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم جوادا يعطى ما فى يده ولو كان فى حاجة إليه، فهو علم المؤمنين أن يؤثروا على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة.


(١) الوفا بأخبار المصطفى لابن الجوزى ج ٣ ص ٤٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>