وقد يقول قائل ما للحياء والشمائل النبوية التى من شأنها أن تسهل دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، إنه أدب شخصى ليس له صلة بالدعاية أو تبليغ الرسالة؟!!
ونقول إن خلق الداعى يجذب إلى موضوع الدعوة، فلو كان الداعى فحاشا، أو صخابا، أو يغلب عليه أن يلوم وتقرع عباراته لنفر منه الناس، وما استجاب له إلا أهل الحق الصرف الذين لا يهمهم لون الدعوة، بمقدار ما يهمهم لبها.
وإذا كان الخلق الطيب يجذب النفوس، ويوجهها نحو الحق، فإن الحياء أشد الأخلاق اجتذابا للنفوس، فإن الحياء، يجعل صاحبه لا يفجأ الناس بما لا يسرهم، بل يجيء إليهم من جانب ما يألفون، فلا تنفر النفوس، ولا تنشعب عن الحق، وإن عنف الداعي، وتفحش قوله يعوق دعوته، ويكون استثقاله مؤديا إلى رده.
وإذا كان مع الحياء لين فى الطبع من غير ضعف، وقوة فى الحق وصل إليه فى مداخل سهلة لينة، ولقد قال فى وصفه على بن أبى طالب أنه كان أوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة. وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة.
ولقد كان لالتقاء الخلق الحسن اللطيف المعشر مع الحياء، والاستمساك بالحق مزيج من أخلاق كريمة، جعله لا يترك التنبيه إلى الحق فى رفق، وجعله يصل إلى ما يريد من إيغاله فى القلوب.
ذكر بعض الذين أدركوه قصة تدل على جمع النبى عليه الصلاة والسلام بين لطف العشرة، والحياء، والتأديب اللطيف.
قال ذلك العربي، وهو ابن جبير: نزلت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مر الظهر، فخرجت من جناني، فإذا نسوة يتحدثن، فأعجبنني، فرجعت، فأخرجت حلة حبرة فلبستها، ثم جلست إليهن، وخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من قبته، فقال: يا أبا عبد الله ما يجلسك إليهن، فهبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، جمل لى شرود أبتغى له قيدا، قال:
فمضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وتبعته فألقى رداءه.... ودخل الأراك فقضى حاجته وتوضأ، ثم جاء فقال يا أبا عبد الله، ما فعل شراد جملك، ثم ارتحلنا، فجعل لا يلحقنى فى منزل إلا قال:
لى السلام عليك يا عبد الله، ما فعل شراد جملك.
فتعجلت إلى المدينة، فاجتنبت المسجد، ومجالسة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فلما طال ذلك تحينت ساعة خلو المسجد، فجعلت أصلي، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بعض حجره، فجاء صلى