الدعوة إلى الإسلام، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يخيرهم بين الإسلام، ويبين حقيقته وأركانه، وبين القتال، وإذا اختاروا السلم كان، وإن اختاروا الحرب، وهزموا، وجدوا في رفق المعاملة ولين القوى وعطفه ما لم يحتسبوا، فيألفونه، ويدخل الإيمان في قلوبهم.
وإنه في هذا الدور قد أخذت الحرب تنتقل من جزيرة العرب إلى خارجها، لأن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أخذ يدعو الملوك ورؤساء الدول إلى الإسلام، أو أن يفتحوا الطريق أما الدعوة الإسلامية، فما آمن منهم إلا النجاشى ملك الحبشة، ومنهم من لم يجب، ومنهم من أساء في الرد، ومنهم من أجاب جوابا رقيقا ولكنه لم يؤمن.
وحدث أن ملك الروم قد قتلت جيوشه من أسلم من أهل الشام، فتعرض المسلمون لفتنة دينية كالتى كانت في مكة المكرمة، وأمر الله سبحانه وتعالى بالقتال لأجلها، فقال الله سبحانه وتعالى:
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة- ١٩٣) ، ولذلك كانت غزوة مؤتة، وغزوة تبوك من بعدها.
وقد تجمع اليهود الذين أجلاهم من المدينة المنورة في خيبر، لينقضوا على المدينة المنورة، فكان لابد أن يساورهم، قبل أن يساوروا المدينة المنورة. وهكذا ...
الدور الأوّل
٣٦٤- وإن هذا الدور يصح أن نقسمه إلى قسمين: أحدهما لم يلق فيه حربا، ولا قتالا، بل كان اللقاء ينتهى بالمسالمة، وكان فيه تأليف للقلوب النافرة. وتقريب الإسلام من العقول والنفوس، وفيه بيان لقريش أن الإسلام قد أعزه الله سبحانه وتعالي، وأن المسلمين صاروا فوق منالهم، والناس يستقبلونه، وقد أرادوا أن يحولوا بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وبينهم.
والقسم الثانى كان فيه قتل وقتال.
وفي القسم الأوّل كانت غزوات أربع خرج فيها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قبل غزوة بدر الكبرى التى هى ابتداء القسم الثانى من هذا الدور.
وتلك الغزوات التى لم يكن فيها قتال هى غزوة الأبواء، وتسمى ودان وغزوة بواط، وغزوة العشيرة وغزوة بدر الأولى، وكانت بينهما سرية عبد الله بن جحش. والغزوات الثلاث الأولى كانت في الطريق بين المدينة المنورة ومكة المكرمة، وأما بدر فكانت قرب المدينة المنورة، وإن كانت على هذا الطريق.