للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع دوامه على العبادة التى وصفها القران، ودعا إليها، وبينها عليه الصلاة والسلام، كان إذا سكت عن القيام بصلاة، أو إرشاد عام، دائم التفكير فى الاء الله، والتأمل فى خلقه، ليدرك عظمته، وكمال سلطانه. فلم ينقطع عن عبادة التفكير التى ابتدأ بها قبل أن يوحى إليه، ولقد قال هند بن أبى هالة ابن خديجة «كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة» وكان كثير الاستغفار، لأن الاستغفار عبادة فى ذاته، لأنه إحساس بوجوب الالتجاء إلى الله، وفيه إحساس بقصور ما يؤدى العبد من العبادة، واستصغار العمل إحساس بالحاجة إلى الله والقرب منه، وعظمته، وجلاله، وشعور بأن عمله مهما يكن كبيرا صغير بالنسبة لله تعالي، ومن يستكثر حسناته، كأنه يمن على الله تعالى فى هذه العبادة، وإن الشعور بالاستغفار والالتجاء إليه بعد عن المن، وإن الصوفية يمقتون الاستكثار ولو من الطائعين، ومنهم من يفضل المعصية التى تحدث ذلا وطلبا للاستغفار على الطاعة التى يصحبها الاستكثار، ويقول حكيمهم: «إن معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت ذلا وافتخارا» «١» .

ولقد كان سيد العابدين يحصن عبادته بالاستغفار، حتى لا يكون منه من الاستكثار، صلى الله تعالى عليه وسلم.

[الزاهد]

[زهده قبل البعثة:]

١٤٦- نشأ محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام يتيما فقيرا، واجه الحياة بيتمه وفقره، ماتت أمه بالأبواء، بعد أن ولد يتيما من أبيه فأودع جده عبد المطلب فكفله بالرعاية، ولم يكن فى سن من يتحمل التبعة، ويقدر لمستقبله وإن كان يحس بالفقر، وإذا كان جده قد كلأه، وكفاه حاجته، وأغدق عليه بما يستطيع من خير، وأفاض عليه بمحبته التى تغذى عاطفته، ويجعله يعيش موادا غير مباغض، ولكنه عاش معه أمدا قصيرا، إذ توفى بعد سنتين من كفالته.

وبعد ذلك أخذ يواجه الحياة مع ضعف الصغر، ومع الفقر المرير، ذلك أن عمه أبا طالب الذى الت إليه كفالته كان ذا عيال، وكان مقترا عليه فى رزقه، وإن هذا الغلام الذى يعلو عقله على سنه، وإحساسه قوى يدرك ما حوله قد أدرك ما عليه حال عمه كافله ورفيقه وحبيبه، الذى أفاض عليه بمحبة غذت نفسه، فكان لابد أن يعمل عملا إن لم يغنه عن عمه، فإنه يعينه إلى حد.


(١) الشفاء ج ١١ ص ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>