للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وكان لا تشاء تراه من الليل قائما إلا رأيته، ولا تشاء تراه نائما إلا رأيته» ، وقد روى فى الصحيحين البخارى ومسلم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حتى تورمت قدماه، فقيل له: أليس الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال عليه الصلاة والسلام: أفلا أكون عبدا شكورا» . ولقد ثبت فى الصحيحين عن أبى الدرداء أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فى شهر رمضان فى حر شديد. وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وعبد الله بن رواحة، وفى الصحيحين أيضا عن علقمة قال: سألت عائشة هل كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يخص شيئا من الأيام، قالت: لا، وكان عمله ديمة وأيكم يستطيع ما كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يستطيعه» .

ومعنى الديمة فى الحديث أنه يحب الدوام على العبادة، ولا يحب الانقطاع عنها، وكان هو يستديم العبادة ولو كان فيها ما يشق، ولكنه لا يطلب من المؤمنين إلا الاستدامة فى العبادة، وإن قلت، ولذا يقول عليه الصلاة والسلام: «أحب الأعمال إلى الله أدومه، وإن قل» .

وذلك لأن استدامة العبادة ولو قليلة تجعل المؤمن فى ذكر دائم لله تعالي، لا يغيب عنه سبحانه، فهو فى قلبه دائما، ويتحقق فيه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله تعالى يحب الديمة من الأعمال» .

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو المؤمنين إلى التخفيف من الصلاة، والقراءة، وأن يصلوا بصلاة أضعفهم، حتى لا يكون فى الصلاة إرهاق، ورأى بعض أصحابه يصلى بالناس فأطال القراءة، مما شق على الناس، فقال: «فتان أنت؟» لأن التطويل يؤدى إلى فتنة من لا طاقة لهم على الإطالة.

ولكنه عليه الصلاة والسلام فى قيامه الليل كان يختار لنفسه الأشق، لأنه عليه الصلاة والسلام يطيق ما لا يطيقه عامة المؤمنين، فيختار لهم ما لا يشق عليهم، ولقد قال عوف بن مالك: «كنت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فاستاك، ثم توضأ، ثم قام يصلي، فقمت معه، فاستفتح بالبقرة، فلا يمر باية رحمة، إلا وقف فسأل، ولا يمر باية عذاب إلا وقف فتعوذ، ثم ركع، فمكث بقدر قيامه، يقول: سبحان ذى الجبروت والملكوت، والكبرياء والعظمة. ثم سجد، وقال مثل ذلك» «١» .

وهكذا نرى عبادته عليه الصلاة والسلام فيها ذكر دائم، وتلاوة للقران دائمة، وكان يحرض أصحابه على أن يقرأوا وهو يسمع، فإذا ذكروه بأن القران نزل على قلبه، قال لهم إنه يحب أن يسمعه من غيره.


(١) الشفاء ج ١ ص ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>