٤٣٨- تسايرت الركبان بموقعة أحد، وقريش تدعى أنها هزمت محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم، وتنشد بذلك شعرا والشعر في البلاد العربية كان أداة النشر، وطريق الإعلام، فإن حدثا يذكر فى قصيدة جدير بأن تعلم به القبائل العربية في قاصيها ودانيها، ولما كانت النفوس مستشرفة لأن تعرف ما بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وقريش أخرجوه من مكة، أو خرج بأمر ربه، وصارت بينه وبينهم مغالبة شديدة هم يغالبون بجاهليتهم وغطرستهم، وهو يجاهد بالحق ويدفع به الباطل.
وقد رأوا الحق يدفع الباطل يوم الفرقان، وذاع في البقاع أمر الهزيمة التى فروا فيها فرارا، فذلت أنوفهم أو كادت، وزلزلت هيبتهم، وقد كانوا شرف العرب ومحتدهم.
فكان لا بد أن يشيعوا أنهم أخذوا ثاراتهم. ونالوا مأربهم ليستردوا هيبتهم، ويستعيدوا شرفهم الذى مزق محمد صلى الله تعالى عليه وسلم رايته.
إذا كانت بدر قد هزت مكانة قريش في العرب، وحركت عليهم من كانوا ينفسون عليهم مكانتهم، فكان لا بد أن يشيعوا ما زعموه هزيمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم في أحد، وأن يملئوا بها الأجواء، وأن يرددوها في كل مكان، وقد صارت المعركة بين مكة والطائف وما حولهما، ومدينة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
تحركوا لمناوأة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، والأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله، طمعت قبائل في المسلمين، بعد أن كبتهم الله ببدر، وتحركت عوامل محرضة على أهل الإيمان مجزئة عليهم، ونشر الأخبار عما زعموه هزيمة يؤلب على المؤمنين، ويثير الأضغان من عبدة الأوثان عليهم، فكثر الغدر والخيانة من قبائل العرب، وكثرت مداهنة قريش.
والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه يصابرون ويجاهدون.
وبمقدار ما كانت قريش تزدهى كان يعتريها أمران:
أحدهما: أنهم لم يشتفوا من أعدائهم رجال الإيمان، فما زال من عملوا سيوفهم في رقاب المشركين في بدر من صناديد المؤمنين أحياء وسيوفهم مشهورة ينتظرون الأمر لتضرب، فإذا كانوا قد نالوا من حمزة، فأمامهم على بن أبى طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبى وقاص، وأبو عبيدة عامر بن