(ك) ومنها أن العدو إذا طرق الديار لا يجب على المؤمنين أن يخرجوا لقتاله، ولا يجب عليهم أن ينتظروا حتى يدخل عليهم الديار، بل ينظرون إلى ما يكون المصلحة والمكيدة في الحرب، فإن كان الأوّل أشد نكاية اتبع وإن كان الآخر التزم كما فعل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
(ل) ومنها وجوب الشورى، كما استشار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم جند المؤمنين، ليدخل الجند مطمئنين، آمنين راضين، غير مرهقين في نفوسهم، ولا في تفكيرهم، فيكون ذلك أرجى للنصر.
(م) ومنها ألا يصلى على الشهيد، فإنه ثبت أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد، ولم يصل على شهيد مات في المعركة في أى غزوة من الغزوات، لأن شهادته تغنيه عن دعاء الأحياء، وصلاة الجنازة دعاء وتضرع واستغفار.
(ن) وقد قال ابن القيم أنه يجوز للمجروح أن يصلى قاعدا، ولو كان إماما. ويقول في ذلك:
إن الإمام إذا أصابته جراحة صلى بهم قاعدا، وصلوا وراءه قعودا، كما فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في هذه الغزوة واستمرت على ذلك سنته إلى حين وفاته.
ولكن، هل يجوز أن يصلى المأموم واقفا وراء الإمام الذى يصلى قاعدا! إن ذلك موضع خلاف بين الفقهاء، ليس هذا موضعه.
هذه الأمور التى ذكرناها كلها كانت من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في هذه الغزوة، وما يعمله يكون بيانا لحكم شرعى يتبع، ولا شك أن بعض هذه الأحكام تدخل تحت أنواع ثلاثة من الأحكام التكليفية، فمنها ما يدخل تحت حكم الجواز، والمصلحة ترجحه أو توجبه، كما رأينا في خروج النساء في الحرب والجهاد، فإنه جائز أو مباح، وقد يكون مستحبا إذا كان في الرجال كفاية وفي النساءعون. وقد يكون واجبا إذا كان الجرحى يحتاجون إلى عدد كبير من المداوين.
وكما رأينا في الذى خرج وعنده عذر فإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أجازه، فإنه يكتفى بالجواز، ابتداء، ولكن إن كان ذا بأس وشدة مع عذره، فإن الأولى الخروج مع رخصة القعود.
وهو في الحالين شهيد إن استشهد، له جزاء الشهداء، ومجاهد إن نجا، له جزاء المجاهدين ...