(ز) ومنها أن السنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم، ولا ينقلوا إلى مكان آخر، وذلك لتكون زيارة قبورهم فيها عبرتان: عبرة الاستشهاد والجهاد، وعبرة رؤية المكان الذى صارعوا فيه وجاهدوا حتى نالوا أعلى الحسنيين.
وقد حصل في أحد أن بعض الصحابة نقلوا قتلاهم إلى المدينة المنورة، فنادى منادى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم برد القتلى إلى مصارعهم، قال جابر بن عبد الله بينما أنا في النظارة، إذ جاءت عمتى بأبى وخالى، كما دلّتهما على ناضح فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا، وجاء رجل ينادى: ألا إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا القتلى فتدفنوهم في مصارعهم حيث قتلت، فرجعنا بهما، حيث دفناهما في القتلى حيث قتلا.
وبعمل الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم صارت السنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم.
(ح) ومنها جواز أن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، كان يدفن الرجلين والثلاثة في القبر، ويقول أيهم أكثر أخذا في القرآن؟ فإذا أشاروا إلى رجل قدمه في اللحد وإذا كان رجلان بينهما محبة في الدنيا دفنهما معا في قبر واحد لما كان بينهما من المحبة فدفن عبد الله بن عمرو بن حزم، وعمرو بن الجموح في قبر واحد لما كان بينهما من المحبة.
(ط) ولقد حدث عند ما كان الاضطراب في جيش المؤمنين بسبب المفاجأة أن قتل بعض المؤمنين مؤمنا يحسبه كافرا، فإنه لا يذهب دم المقتول هدرا، بل تكون ديته في بيت المال، كما فعل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فودى الذين قتلوا خطأ من المؤمنين، لأنه بقيادته صلى الله تعالى عليه وسلم وهو ولى أمر المؤمنين.
(ى) ومنها أن ذوى الأعذار يرفع عنهم واجب الجهاد، ولكنهم إن خرجوا مجاهدين كان لهم ثواب الجهاد، وإن قتلوا كانوا شهداء، فرخصة التخلف لعذرهم رخصة ترفيه، لا تسقط الواجب، ولكن تسوغ التخلف، كمن يصوم وهو صاحب رخصة كمرض أو سفر، فإن الصوم يجزى عنه إذا صام، وإن أفطر فعدة من أيام أخر.
وقد خرج عمرو بن الجموح وهو أعرج، وليس على الأعرج حرج، فلم يمنعه النبى من أن يجاهد، فجاهد حتى استشهد، وتولى دفنه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مع شهيد كان له معه صحبة ومحبة.