بعد هذا لم يرد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يلقى مقاتليهم، حتى لا يسبق السيف الرأى، وهو يريد أن يحج، ولا يريد أن يرغمهم، بل يريدهم مختارين، لأن الاختيار يؤلف، والقتال ينفر، والإجبار بالسيف يرمض النفس، ويكلمها، ولا يريد عليه السلام كلما، بل يريد شفاء للقلوب من غيظها.
ندب رجلا يخرج بالمسلمين إلى طريق غير طريقهم فسار في طريق وعث، حتى وصل ثنية المراد مهبط الحديبية من أسفل مكة.
ولما رأت خيل قريش كروا راجعين ليكونوا بمكة المكرمة والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالجيش إلى ثنية المراد. بركت ناقته، وكأن الله تعالى قد اختار له هذا المكان، فلما بركت الناقة قال الناس خلأت، فقال عليه السلام:(ما خلأت) وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تدعونى قريش اليوم إلى خطة يسألونى فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها، قال ذلك لأنه جاء وهو الهادى الداعى إلى الحق ليقرب نفوسهم بعد الحرب التى شنوها، ومكنه الله تعالى منهم.
قال لجيشه: انزلوا، فقالوا: ما بالوادى ماء، ولم يكن به ماء، ولكن قلب مطمورة، فأعطى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم سهمه رجلا من رجاله، فنزل به في قليب من تلك القلب وغرز فيه السهم، فجلس النبى للرواء حتى شرب الناس.
[المراسلة بين الفريقين:]
٥٠٥- كان مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم جيش قوى، ولم تكن مكة على استعداد للحرب، ولو أراد أن يدكها بجيشه دكا لفعل، ولكنه أتى للحج، وليطفئ حربا، ويبر رحما، ويزيل نفرة، وليذهب بوحشة الحروب التى خلفتها.
ولذلك أعلن المسالة وإرادة الحج من غير أن يقهرهم أو يذلهم.
جاء إليه بديل بن ورقاء مع رجال من خزاعة فكلموه صلى الله تعالى عليه وسلم، وسألوه ما الذى جاء به، فأخبرهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه ما جاء يريد حربا، وإنما جاء زائرا للبيت ومعظما لحرمته، وقال ما قاله من قبل لغيره.
رجعوا إلى قريش، فقالوا لهم: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد وإن محمدا لم يأت لقتال، إنما جاء زائرا لهذا البيت، فاتهموهم وجابهوهم، وقالوا: وإن جاء لا يريد قتالا، فو الله لا يدخلها علينا عنوة ولا تحدث بذلك العرب، ولكنهم مع هذه العنجهية لم يزيلوا ما بينهم وبين النبى صلى الله