٦٣٥- أخذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعد ما كان فى هوازن والطائف يرسل السرايا فى القبائل العربية داعية إلى الإسلام، متعرفة لأحوالها، وكان يشغل بذلك الذين أسلموا حديثا ليألفوا الإسلام، ويتحملوا واجباته، وليحملوا عبء الدعوة إلى الإسلام من بعد، وليكون منهم المجاهدون فى سبيله، وليتعودوا القيام بواجباته، وليرضى نهمتهم من حب السلطان. ولكى ينالوا من الغنائم بالحق ممن تأبوا على الإسلام من القبائل.
فأرسل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عيينة بن حصين فى المحرم من السنة التاسعة إلى بنى تميم، فى خمسين رجلا، ليس فيهم من المهاجرين ولا الأنصار أحد.
فسار إليهم يكمن نهارا، ويسير ليلا ليفجأهم من حيث لا يشعرون، فهجم عليهم، وهم يسرحون مواشيهم، فلما رأوا الجمع ولوا الأدبار، فاستطاع أن يسبى منهم نساء عددهن إحدى وعشرون، وأخذ ثلاثين صبيا وأحد عشر رجلا.
ساق هؤلاء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فأنزل فى أحد بيوت المدينة المنورة.
وجاء من بعد ذلك كبراء من تميم منهم عطارد بن حاجب، والزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، والأقرع بن حابس بن الحارث، وعمرو بن الأهتم، ورباح.
فلما رأوا نساءهم وذراريهم بكوا إليهم.
فعجلوا فجاؤا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فنادوا: يا محمد اخرج إلينا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذن بلال للصلاة وهؤلاء تعلقوا برسول لله صلى الله تعالى عليه وسلم يكلمونه، فوقف معهم، ثم مضى فصلى الظهر، ثم جلس، ثم قدم فتكلم، فأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس فرد عليهم أسراهم وسباياهم وأبناءهم لأنهم ما كانوا محاربين، ويظهر أنهم كانوا غير مطيعين.
وقد قال ابن إسحاق فى ذلك: دخلوا المسجد، ونادوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
يا محمد اخرج الينا، فتأذى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم؛ قالوا جئنا لنفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا، ويظهر أن ذلك بعد أن استردوا الأسرى والسبايا. ولقد قال الله تعالى فى عدم استئذانهم: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ.