ولما تلا عليهم الآيات انقطع الخلاف. وصار الإجماع على أن تكون الأرض محبوسة لمنافع المسلمين بحكم هذه الآية.. ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى، فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ...
وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أعطى ثمرات أرض بنى النضير للمهاجرين ليرفع بذلك مؤنتهم عن الأنصار، إذ كانوا قد ساهموهم في الأموال والديار، ولم يعط مع المهاجرين من الأنصار إلا أبا دجانة وسهل بن حنيف لحاجتهما.
ومؤدى ذلك أنه وزع الأموال والثمرات على ذوى الحاجة وذوى القربى واليتامى والمساكين وفعل ذلك مع الذين اتبعوا من مهاجرين وأنصار، ثم من جاؤا بعدهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[تحريم الخمر]
٤٤٨- جاء تحريم الخمر في أعقاب غزوة بنى النضير، كما جاء في سيرة ابن إسحاق وصحاح السنة. وظاهر القول أن ذلك التحريم هو البيان الشافى لحقيقة الخمر الذى طالما دعا ربه إليه الرجل الذى ينظر بنور الله تعالى عمر بن الخطاب رضى الله تبارك وتعالى عنه، وهو قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ، فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (المائدة: ٩٠، ٩١) وبذلك كان التحريم القاطع.
وإن القرآن الكريم والنبى الأمين عليه الصلاة والسلام لم يكن منهما ما أقر الخمر أو أباحها، إنما كانت موضع عفو قبل إعلان التحريم القاطع، فكل أمر يسكت القرآن الكريم عنه، وهو يتنافى مع معانى الإسلام، فإنه يكون محل عفو الله تعالى، ويقال: إنه عفو، ولا يقال: إنه مباح، فمرتبة العفو تقتضى أن يكون الأمر غير مستحسن في ذاته، ولا يرضى عنه الإسلام، ولا الخلق الإسلامى، ولكن لم يجيء النص بالتحريم فيكون موضع عفو حتى يجيء النص المحرم.
وتحريم الخمر قد جاء في القرآن الكريم على أربع مراتب.
أولها: بيان أنه أمر غير حسن في ذاته، وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك في قوله: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً (النحل- ٦٧) . أى تتخذون منه مسكرا، وفي مقابل المسكر رزق حسن، ولا يمكن أن يكون مقابل الرزق الحسن حسنا مثله، فهذا النص يشير إلى استنكار الخمر، وأنها ليست أمرا حسنا.