وإن المودة ليست واجبة بالنسبة لأبناء الأمة الإسلامية وحدهم، بل هى واجبة حتى للمخالفين فى الدين ما داموا لم يعادوا المسلمين أو لم يعتدوا عليهم، ولقد بين الله سبحانه وتعالى تلك الحقيقة، وهى القانون الشامل في معاملة المسلمين لغيرهم، فقال الله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الممتحنة ٨- ٩) . وقال الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (المجادلة- ٢٢) .
ويروى أنه في مدة الحديبية بلغ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن قريشا نزلت بهم جائحة فأرسل مع حاطب بن أبى بلتعة خمسمائة دينار ليشترى بها برا، ويوزعها على فقراء قريش.
بل إنه في أثناء الحرب، لا تنقطع المودة مع شعوب الدولة المحاربة من غير المقاتلين، ولا تنقطع المودة إلا مع المقاتلين أو من يشتركون في القتال بالعقل والتدبير، والترتيب والتنظيم، فأولئك هم الذين يحادون الله ورسوله.
والخلاصة أن الإسلام لا يقطع المودة، بل يصلها دائما، ويعد القاطعين لها في غير الدائرة المذكورة يقطعون ما أمر الله به أن يوصل.
[رعاية المصلحة الاجتماعية بضوابط قرآنية]
ز- المصلحة ودفع الفساد، وقد قامت الدولة الإسلامية التى بينت أسسها في القرآن الكريم، وطبقها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وأرسى قواعدها عمليا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، قامت على رعاية مصالح العباد في الدنيا والآخرة على القاعدة التى ذكرت في القرآن الكريم: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا، وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص- ٧٧) .
وهكذا كانت المصلحة الجماعية هى من غايات الإسلام. على أنه يجب ملاحظة أمرين:
أولهما:[المنفعة العامة والمنفعة الخاصة]
أن الاعتبار في المنفعة منفعة المجموع أولا، وبأوفر حظ، وأن مصلحة الآحاد غير مسلوبة، بل هى تكون في مصلحة المجموع، وتنفرد عن مصلحة المجموع، إن لم يترتب عليها ضرر عام، فإن الضرر يزال، ومنفعة العامة مقدمة على منفعة الخاصة إن لم يمكن الجمع بينهما، ولذلك شرع