ونقول فى الجواب عن ذلك، إن سرايا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كانت ابتداء للتبليغ والدعوة، ولكنهم كانوا يلتقون بقوم غلاظ لا يجيبون، وإن أمكنتهم الفرصة يقاتلون، وقد رأينا فى هذه السرية الأخيرة، كيف كانت الدعوة إلى الإسلام ابتداء، فردوا ثم رشقوهم بالنبال، ثم قتلوهم، فما ذهبوا مقاتلين، ولكن ذهبوا داعين إلى الحق مبلغين رسالة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الأمين.
[غزوة مؤتة]
٥٧١- كان الإسلام يسرى سريان النور، والشام لم يكن بعيدا عن البلاد العربية، بل كانت به قبائل من العرب، فالغساسنة منهم، وإذا كان الإسلام يسرى نوره فيعم الآفاق القربية فقد كان من عرب الشام من دخل فى الإسلام، أو كان من العرب من سافر إلى الشام.
وأولئك المسلمون، وإن كانوا عددا قليلا ضاقت بهم صدور النصارى حرجا، فقتل والى الشام من قبل الرومان من أسلم من عرب الشام، ولا بد أن يحمى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه أولئك الذين يفتنون عن دينهم لتمنع الفتنة عنهم، ويقول فى ذلك ابن تيمية فى رسالة القتال: إن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما بعث إلى حرب الروم فى مؤتة إلا بعد أن قتل الوالى الرومانى من أسلم فى الشام.
هذه كانت بعض الأسباب فى سرية مؤتة وقد كان هناك سبب مباشر قوى، وهو أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدى بكتابه إلى الشام، ثم إلى ملك الروم فعرض له شرحبيل بن عمرو الغسانى، فأوثقه رباطا، ثم قدمه فضرب عنقه، ولم يقتل من رسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم غيره إلى ذلك الوقت، فاشتد ذلك عليه حين بلغه الخبر، وكان لا بد أن يقف أمام هذا الغدر بقوة، ولو كانت مقابل قوة الرومان.
وذلك لأنهم فتنوا المؤمنين، بقتل بعضهم فكان ذلك إرهابا لمن يهم بالدخول فى الإسلام ولأنهم قتلوا رسول النبى الأمين صلى الله تعالى عليه وسلم فى وقت قد صارت عند النبى صلى الله تعالى عليه وسلم القوة الفاصلة العليا فى البلاد العربية، فكان لا بد لذلك من أن يقاوم ذلك الغدر، لأن السكوت يكون ذلة لأهل الإيمان، وذلة للعرب أجمعين، وهم بصدد أن يقوموا بدعوة الحق وحماية الشعوب من طغاتها.
فى جمادى الأولى من السنة الثامنة بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعثة إلى البلقاء من الشام، وكانت عدتها ثلاثة آلاف رجل، ولعلها أكبر الغزوات إلى الآن عددا.