وجعل الأمير على هذه البعثة زيد بن حارثة، فإن قتل زيد كان الأمير جعفر بن أبى طالب، فإن قتل جعفر كان الأمير عبد الله بن رواحة، فإن قتل، فليرتض المسلمون رجلا يكون أميرا عليهم، فلما فصلوا عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الشام، ومضوا حتى أرض الشام، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل فى ماب من أرض البلقاء فى مائة ألف من الروم وانضم إليهم عدد من نصارى العرب، وبلغ عدد من انضم مائة ألف أخرى.
عندما رأى جيش الإسلام ذلك كان منه من راعه العدد والسلاح، وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا، لنمضى إليه، عندما سمع عبد الله بن رواحة ذلك الكلام المتردد. وقف وقال:
يا قوم، والله، إن التى تكرهون للتى خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد، ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به، فانطلقوا، فإنما هى إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة.
قال الناس بعد هذا الكلام المؤمن القوى: قد والله صدق ابن رواحة، وتقدم جيش الرومان، وإن كانوا يبلغون مائتى ألف، وتقدم جيش الإسلام وهو يؤمن بقوله تعالي: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ تقدم المؤمنون فى غير وجل من كثرة عدد العدو، وقلتهم.
تقدم الصفوف زيد بن حارثة، وهو يحمل راية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان على ميمنة الجيش رجل من بنى عذرة اسمه قطبة بن قتادة، وعلى الميسرة رجل من الأنصار اسمه عباية بن مالك وانتحى المسلمون قرية من قرى البلقاء، فالتقوا بالرومان عندها.
وإذ كان المؤمنون قد أخذتهم ابتداء رهبة العدد والسلاح، فقد أخذت الرومان رهبة الإيمان، وإذا كان قد استطاع المؤمنون أن يتغلبوا على ما أصاب نفوسهم من فزع العدد، فإن المائتى ألف لم يستطيعوا أن يتغلبوا على فزعهم من أنهم يلقون قوما مؤمنين أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم.
قد التقى الفريقان، الفريق المؤمن، وهو يهاجم دفاعا عن أهل الإيمان الذين قتلهم والى الرومان، ودفاعا عن كرامة الإسلام التى أهينت بقتل رسول الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وكرامة العرب وهم مزودون بمعان دافعة، وكان جيش الرومان الكثيف فى عدده وعدته، لا غاية له إلا أن يرد هؤلاء المزودين بالقوة المعنوية، وبنصرهم السابق، ولذلك كان اتجاههم إلى قتل حملة الراية التى هى رمز التقدم إن تقدم حاملها، إذ كلما تقدم زاد الهجوم قوة واحتداما وهم خائفون من هذا الهجوم، وإن النبى صلى الله