تعالى عليه وسلم ألهم، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (النجم ٣- ٥) ، ألهم، أن حملة الراية سيكونون المقصودين، فرتب الولاية بينهم فجعلها لزيد بن حارثة لقوة إيمانه، وليعلم أنه لا شرف إلا بالإيمان والعمل الصالح، ثم تكون لجعفر بن أبى طالب الذى هاجر مرتين، لكى يعلم الناس أنه لا يضن بأهله عن مواطن الردى، ثم لعبد الله بن رواحة ولم يجعلها من بعده لأحد، ولم يكن خالد من بين الأمراء الذين ذكرهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم واصطفاهم لأنه كان قريب عهد بالإسلام.
كان هم جيش الروم أن يرد المهاجمين، ولذلك اتجه إلى القواد، وجعلهم غايته، فقتلهم واحدا بعد واحد، وكان هم جيش المؤمنين أن ينتصفوا لإخوانهم الذين فتنوا فى دينهم فقتلوا من الرومان مقتلة عظيمة، حتى قال خالد بن الوليد إنه أبدل فى يده ستة سيوف، ولم يبق إلا صفحة يمينة، فسل نفسك لم كان يخشى السيف فى يد خالد من هؤلاء، الذين سارت فيهم قوة الإيمان، كما تسير السكين فى قطعة الزبد.
وأولئك القواد العظام الذين عينهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ما كان ليقتل إلا بعد أن عبروا، ولا يلقى الراية من يده إلا بعد رقاب عدد من الكافرين من النصارى واليهود فزيد حب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وحامل رايته قتل عددا حتى قتل.
وجعفر بن أبى طالب حامى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قاتل حتى أحس بأن فرسه لا تسعفه، فنزل عنها، وأخذ يقاتل راجلا، وراية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يحملها على يمينه، فلما قطعوها حملها على شماله، فلما قطعوها حملها بين يديه، حتى قتل، فكان فى الجنة الطيار ذلجناحين.
وهكذا كان عبد الله بن رواحة كصاحبيه أقدم عليها من غير تردد، فكان كالصاعقة على الكافرين، حتى استشهد، وهو حامل الراية.
ولا يصح أن تسقط راية المؤمنين، وانتهى أمرها إلى ثابت بن أقوم بن العجلان، ولكنه أحس بأنه دونها، فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت! قال: ما أنا بفاعل، فاصطلحوا على خالد بن الوليد، فلما حملها أخذ يقاتل، وسيفه البتار يقطع الرقاب.
ولكنه وهو القائد المدرك علم أنه وإن كانت الجولة إلى الآن للمؤمنين، ولو قتل حاملو الراية لا بد أن يزحمهم الروم ونصارى العرب ويهودهم بكثرة العدد، لأنها تطيل القتال، ولا تتحمل القلة الطول مهما يكن ما عندهم من معنويات صابرة مؤمنة.